تنامي تعنيف النساء في ظل الحجر المنزلي.. من المتهم وما العمل؟
من هذا المنطلق، وفي ظل هذه الوضعية الوبائية العالمية والوطنية الخطيرة، التي فرضها علينا الانتشار الكاسح لفيروس كورونا القاتل، بات مشروعا طرح سؤال ملح على مختلف الهيئات الحقوقية والحركات النسائية في بلادنا، وهو: هل قانون محاربة العنف ضد النساء 103.13 استطاع أن يحمي المرأة من العنف المنزلي المتواتر والمتضاعف، وهل إعماله على أرض الواقع مكّن من تحرير بنوده من السياسات العمومية المحافظة، ومن تأثيرات المناخ السياسي والسوسيوثقافي على محاربة العنف ضد النساء، وخاصة العنف في صفوف النساء المتزوجات، الذي يشكل أكثر من نصف حالات التعنيف، فالإحصائيات التي قدمتها النيابة العامة المغربية، في دسمبر الماضي، تفيد أن غالبية الاعتداءات التي تمس النساء في قضايا العنف يرتكبها أزواجهن، أي ما يمثل 56.11 في المائة من جميع قضايا العنف ضد النساء. هذه الإحصائيات أتت بعد سنة وشهرين على دخول قانون محاربة العنف ضد النساء حيز التنفيذ (13 سبتمبر 2018)، وخلال هذه الفترة، كشفت سجلات النيابة العامة تحريك المتابعة القضائية ضد 360 شخصا بجنحة الطرد من بيت الزوجية، و165 شخصا آخر بجنحة الامتناع عن إرجاع الزوجة المطرودة إلى بيت الزوجية، و29 قضية تحرش داخل مكان العمل، و129 قضية تحرش في أماكن عامة، و56 قضية تحرش “إلكتروني”، عبر تطبيقات ووسائل التواصل الاجتماعي، وبالمقابل، تفند سجلات المحاكم تلك الدعايات المغرضة حول عنف النساء ضد الرجال، فالأغلبية المطلقة للجرائم، التي سجلتها المحاكم، تتعلق بمرتكبين ذكور، فعلى سبيل المثال لوحق 164 رجلا من أجل تهمة طرد الزوجة من البيت، فيما لوحقت امرأة واحدة فقط، من أجل امتناعها عن إرجاع الزوج المطرود إلى بيت الزوجية… هذا المنحى نفسه، سجلته وزارة العدل، التي دققت حالات العنف أكثر، في آخر أرقام أعلنتها في مارس الماضي، إذ بينت أن 57 في المائة من مجموع قضايا العنف ضد النساء المسجلة سنويا لدى المحاكم في المغرب، والتي يصل عددها إلى نحو 17 ألف قضية، مسجلة ضد الأزواج. أدرجنا هذه الإحصائيات من أجل أن نحسن قراءتها جيدا، علما أن هذه الأرقام تبقى نسبية وبعيدة عن أرض الواقع، بحكم أن كثيرا من النساء المعنفات لا يقدمن شكاوى قضائية حول ما يتعرضن له من تعنيف جسدي ونفسي، بداعي الخوف من وصمة العار أو الفضيحة في المجتمع، أو بفعل الضغط الأسري الواطئ، إما من عائلات الأزواج أو من عائلاتهن أنفسهن، أو بحكم ارتهان معيشتهن بالأزواج… ورغم ذلك، فإن الأرقام المعلنة على علاتها، سواء التي توفرها الدوائر الرسمية، أو التي تتوصل إليها مراكز الاستماع التابعة للتنظيمات النسائية، تكشف أن العنف الأسري ظاهرة مستفحلة في مجتمعنا، وهي في تفاقم، على أساس أن هذا العنف، هو في عمقه وفي محتواه، وفق ما جاء في تعريف قانون 103.13، يعني كل فعل متعمد، أساسه التمييز بين الجنسين، ويترتب عنه ضرر جسدي، وجنسي، ونفسي، واقتصادي، فالعنف الجسدي يتمثل في الضرب بالصفع واللكم والركل والخدش والعض والبصق وشد الشعر وما شاكل ذلك… والعنف الجنسي عبر الاغتصاب بإجبار الزوجة على ممارسة الجنس بالقوة، أو ضد رغبتها، أو باستعمال وضعيات لا ترغب فيها، أو الامتناع عن استعمال وسائل الوقاية ومنع الحمل ضد إرادتها، إلى غير ذلك من الممارسات الجنسية القسرية الانتهاكية للجسد… والعنف النفسي والعاطفي، ومنه العنف اللفظي بالسب والشتم واللوم والتهديد والتخويف، والعنف غير اللفظي عن طريق التجاهل والنفور والهجر، والعنف المالي عن طريق التحكم في الموارد المالية للزوجة وإهمالها وعدم توفير ضروريات العيش لها، ومنعها من الأنشطة المهنية، والسيطرة على حسابها، والعنف الروحي عبر التحكم في معتقداتها الروحية والدينية، والإلكتروني عبر ملاحقة الزوجة ومراقبتها… الإشكال المطروح بحدة، هنا والآن، هو ظاهرة تعدد وتنامي كل هذه الأشكال والوسائل من التعنيف المادي والمعنوي، التي تُمارس على النساء المغربيات، فيما أغليتها الساحقة لا يمكن إثباتها، لأنها تقع خلف جدران منزل، بل خلف جدران غرفة حتى، مما يجعل القانون المذكور بلا معنى، وتتحول عدد من مقتضياته المتقدمة إلى هيكل بلا روح! لقد جاء قانون محاربة العنف ضد النساء بعد ضغط كبير من الحركات النسائية والهيئات الحقوقية، لكن الوضع الراهن يبين بجلاء ثغراته العميقة عند إعمال مقتضياته على أرض الواقع، فهو، في المحصلة، يبقى قانونا قاصرا عن توفير التدابير الوقائية والحمائية والتكفلية بالنساء المعنفات، والدليل هو نسبة عنف النوع، الذي جاءت ظروف الحجر المنزلي في ظل حالة الطوارئ الصحية لمواجهة فيروس كورونا لتؤكد تناميه وتعدده من قبل أفراد العائلة، وبالخصوص من قبل الأزواج، لتصطدم النساء المعنفات بمشكل إثبات هذا العنف، حيث لا حق ولا عدل ولا إنصاف لمن لا إثبات لها… فعندما تتقدم امرأة للتبليغ عن حالة العنف لدى الشرطة، يُطلب منها الشهود، وشهادة طبية تثبت تعرضها للعنف، في حين بات معلوما للجميع أن وسائل التعنيف أصبحت تركز على المناطق التي لا تُترك فيها آثار ظاهرة يمكن أن تستعملها المرأة للتدليل على العنف الذي لحقها… وعلاوة على ذلك، وكما أكدت لي مجموعة من النساء، بأنه لا يمكنهن الخروج للتبليغ، وتقديم دعوى قضائية، أما الكثيرات ممن بإمكانهن الخروج، فلا يستطعن تقديم الدعوى، في ظل سيادة موروث تقليدي محافظ، يشرعن تعنيف النساء، بل ويعتبره عصا سحرية لتقويم اعوجاج المرأة، ولفرض سيطرة الرجل، فالمرأة ككيان في المخيال الشعبي مرتبطة بالضرب، وهناك أمثلة سائرة كثيرة في هذا الصدد، من قبيل “يضربها وما يخلي اللي يضربها”، و”المرأة اللي ما تضرب نهار الأحد تقول ما عندي حد”…