تتويج الناقد الفني عبد الله الشيخ بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي في دورتها الـ15

edf3bf05-e3a3-4c83-a4a1-ca0eeb725d97

عن بحثه “العالم العربي في الاستشراق الفني أبعاد حضارية وجمالية”

فاز الناقد المغربي، عبد الله الشيخ، بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي (المركز الأول) عن بحثه “العالم العربي في الاستشراق الفني أبعاد حضارية وجمالية”.
وحسب الأمانة العامة للجائزة في دورتها الخامسة عشر، التي نظمتها إدارة الشؤون الثقافية في دائرة الثقافة بالشارقة، في موضوع “العالم العربي في الاستشراق الفني .. أبعاد حضارية جمالية” فاز أيضا بالجائزة محتلا المركز الثاني، الناقد المصري عاطف سعد عن بحثه “الرؤية الجمالية والتشكيلية عند الفنانين المستشرقين لمناظر الفروسية في مصر خلال القرن 13هـ / 19م”.
وقال محمد إبراهيم القصير مدير إدارة الشؤون الثقافية في دائرة الثقافة، الأمين العام للجائزة، التي يرعاها الشيخ سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة، في تصريح بالمناسبة إن الجائزة، تسلط الضوء على الفنون التشكيلية العربية من كافة الجوانب النقدية،” حيث أسست لثقافة نقدية متخصصة هي الأولى من نوعها عربيا في الفن التشكيلي”.
وأشار إلى أن هذه الدورة من الجائزة تلقت مشاركات من الإمارات ومصر والعراق وتونس والمغرب والجزائر ولبنان والأردن وسوريا وغيرها من الدول، مبرزا أن ذلك يؤشر على خصوصية هذه المسابقة الأدبية المتفردة في طرحها الفني والإبداعي على مستوى الوطن العربي.
وعلى هذا المنوال كان الناقد الجمالي الدكتور عبد الله الشيخ، فاز بالجائزة الأولى للشارقة للبحث النقدي التشكيلي في دورتها الحادية عشرة، بمؤلفه الذي يحمل عنوان “المصطلحات الفنية في النقد العربي: مقاربة وسائطية لبعض النماذج المغربية المعاصرة”.
وقال في تصريح إعلامي سابق إنه لا جدال في كون جائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي مبادرة استثنائية ومنفردة على الصعيد العربي بكل المقاييس، حيث أسست منذ دورتها الأولى عام 2008 لتقاليد ثقافية بصرية جديدة ساهمت بشكل فعال في إغناء الرصيد النقدي الرصين والمحكم خارج الأحكام القيمية والانطباعات الأولية، بشهادة النقاد المتخصصين والباحثين الجماليين. وأضاف في التصريح ذاته إنها تعد، بالقوة وبالفعل، خطوة تحفيزية نموذجية بالنسبة للأبحاث والدراسات الأكاديمية التي حاولت صياغة وسبك خطاب مواز لأبرز التجارب الإبداعية بمختلف مواقعها الجغرافية، وانتماءاتها الثقافية، ومغامراتها البصرية، مشيرا إلى أن هذه الجائزة النموذجية ثمنت معالم البحث الفني والبصري وأنصفت منجزاته وفق تقييم موضوعي، كما أبرزت بالتالي جهود الكتاب والنقاد والأكاديميين في غماره، منسجمة أيما انسجام مع أدبياتها العامة وأهدافها الإجرائية في أفق بلورة لغة مشتركة بين النقاد من جهة وبين المتلقين الفعليين والمفترضين من جهة أخرى.
وأفاد الناقد الجمالي أن دراسة المصطلح النقدي في الإبداع التشكيلي العربي هو المدخل الرئيس لقراءة تجاربه وتمثل آليات اشتغاله عبر قراءة علمية معاصرة، إذ لا يمكن إدراك المعطيات النظرية والإجرائية بشكل عميق إلا إذا تم استيعاب الجهاز المصطلحي الذي يحمل ذلك الإبداع البصري الاستثنائي في جوانبه التقريرية والإيحائية. لا غرابة أن تكون العلاقة بين المصطلح النقدي التشكيلي والمصطلح المحيل على علوم وفنون أخرى ملتبسة، فالأمر ناتج عن الثقافة الموسوعية التي تميز الناقد المعاصر المتشرب بالحقول المعرفية المتعددة، والمنفتح على مناهجها ونظرياتها المتشعبة. يبقى سؤال المصطلح من أكثر المفاهيم دقة وغموضا رغم تداوله المسترسل. فهو لغة فوق لغة أحيانا، ولغة خارج اللغة أحيانا أخرى، فهو لا يخضع لمعاييرها ولا يستقل عنها، بل هو دائم الاختراق والتسلل إليها، ولكنه، مع ذلك، يظل محتفظا لنفسه بمسافة تميزه، حتى وهو في قلبها، عن سائر مفرداتها.
وبخصوص انطباعه حول هذا التكريم والتشجيع، أشار الشيخ إلى أن هذا الاستحقاق يعد مقام اعتبار في مساريه العلمي النقدي، مضيفا أنه بلا ريب تتويج لسنوات من التحصيل الأكاديمي بتؤدة ونكران الذات. كم يطيب لي أن أغتنم هذا التتويج لكي أشيد وأحيي كل القائمين والمشرفين على هذه الجائزة التنويرية، رئاسة وأعضاء، لما تضطلع به من دور فعال في =النهوض بشروط البحث العلمي وتعزيز صيغ اشتغاله، وأكد في السياق ذاته أنه
لابد من الإقرار التداولي بحقيقة مفادها أن المشهد التشكيلي العربي حافل بالأعمال الإبداعية الحديثة والمعاصرة معا محققا بذلك رهاناته الكمية والنوعية، لكن في مقابل ذلك نلاحظ، جليا، تراجع المتابعة النقدية وعدم مواكبتها لمستجداته العامة، مما يستلزم حتما التوفيق بين العرض الإبداعي والتلقي النقدي في إطار ما يستدعيه مشروع إرساء دعائم الثقافة البصرية والتربية الجمالية في عالم فرجوي بامتياز غدت معه الحياة مظهرا خاضعا لتنظيم اجتماعي يقوم على ثنائية الوجود الفعلي والظهور (Être /paraître) بدل ثنائية الوجود والعندية (Être /avoir).
فلا يمكن تدارك هذا التراجع وتحقيق ذلك التوفيق التلازمي إلا بفضل مثل هذه الجائزة التحفيزية المائزة التي تحتفي بجهود الباحثين ونقاد الفن التشكيلي العربي، وتسعى إلى التعريف بأعمالهم الفكرية عبر النشر والتداول العلمي، فضلا عن ترسيخ لغتها النقدية كمادة مرجعية في التواصل التفاعلي مع الفنون البصرية عموما والفنون التشكيلية خصوصا.
و على مستوى المتن البحثي، قال الباحث عبد الله الشيخ إن هذه الدراسة الوسائطية حاولت مقاربة المصطلحات الفنية في النقد التشكيلي العربي، منطلقة من بعض النماذج التمثيلية للنقد التشكيلي المتداول داخل الأوساط المغربية المعاصرة نظرا لتداخل مرجعياتها المعرفية والجمالية ذات المعجم المصطلحي المستعار من عدة تخصصات علمية تتوزع بين تاريخ الفن، والنقد الفني وعلم الجمال (فلسفة الفن)، علاوة على ظهور مفاهيم جديدة استلزمها الخطاب حول “ما بعد الحداثة” و “ضد الفن”، و”نهاية الفن”.
ارتأى الناقد الجمالي عبد الله الشيخ في المبحث الأول مساءلة بعض تجارب النقد التشكيلي بالمغرب (تجربة كل من الناقدين الحيسن ابراهيم وبنيونس عميروش نموذجا) التي استندت في مرجعياتها الاصطلاحية على المناهج الآتية: المنهج الشكلاني، المنهج الإيقونولوجي، التحليل الإيقونوغرافي، التحليل السيكولوجي.
في معرض المبحث الثاني، حاول المؤلف مقاربة المشروع القرائي لكل من الباحث المفكر عبد الكبير الخطيبي الذي ارتهن بكتابيه المرجعيين “الاسم العربي الجريح” و”الفن العربي المعاصر” (دشن التأويل المعاصر الخاص ﺑ”النقد المزدوج” الذي يقترح عدة تخصصات تتردد بين النقد السوسيولوجي، والبحث السيميولوجي، والنقد الأدبي، والأنثروبولوجيا، متقصية الدلائل والعلامات المهاجرة “Signes migrateurs”) والباحث الجمالي بوجمعة أشفري صاحب كتابة محايثة تنتصر للوظيفة الرمزية للأشكال، وتعتمد منظورا قرائيا في كتابيه “الفن بين الكلمة والشكل” و”العين والنسيان”؛ منظور لا يكتفي بالمفكر فيه/المنطوق به، بل يؤول اللامفكر فيه (l’impensé) /المسكوت عنه، متحررا من النظرة التأريخية (Historisante) التي تقتصر على تبويب الحقب ورصد المدارس، وتقسيم الأعمال وتصنيف مبدعيها كما هو الشأن مع رصد سلامة موسى لتاريخ الفنون واتجاهاته. امتدادا لهذين الإطارين المرجعيين، سلطت الضوء على القراءة الاصطلاحية التي ارتضاها المفكر إدريس كثير في مساءلته للحداثة وما بعدها (لوك فيري، بارنيت نيومان)، ولإناسة الفن (أندري كومت سبونفيل)، وجمالية الانتشاء (ميشال أونفري)، وكذا في مقاربته لتجارب صفوة من الفنانين المبدعين.