موسم مولاي عبد الله بإقليم الجديدة موروث ثقافي ضارب في أعماق التاریخ

darih-301

تعيش مدينة الجديدة كل سنة على إيقاع الاحتفال بموسم الولي الصالح “مولاي عبد الله أمغار” الذي ينظم خلال شهر غشت من كل سنة من طرف جماعة مولاي عبد الله بإشراف من عمالة إقلیم الجدیدة.
مولاي عبد الله أمغار (رباط تيط)
ترجع تسمية الموقع التاريخي لمولاي عبد الله أمغار نسبة وتشريفا لأحد المنحدرين من سلالة الأدارسة أبو الفضل إسماعيل أمغار المؤسس لرباط تيط ما بين 1100 و1150 ميلادية، وقد شيدت هذه القلعة حول إحدى أعرق المآذن الإسلامية سنة 1060م. كما أن تسمية رباط تيط وهي كلمة بربرية تعني “منبع” وهي المنطقة الحالية التي تسمى بمولاي عبد الله أمغار تقع على بعد 12 كلم من مدينة الجديدة ويعود تاريخ بنائها حوالي القرن 12 الميلادي.
لقد كان رباط تيط على شكل برج مشيد على قاعدة شبه كروية، محاطا بسور تصميمه شبه منحرف، وقد تم تدعيم السور الواقع على واجهة البحر بستة أبراج مربعة مقطعة الجوانب أو نصف دائرية، مبنية من الحجر الدبش، ومكونة من مستويين خاصين بغرف الرماية، كما أن الحجر شكل المادة الرئيسية المستخدمة في وجود الهيكل المعماري للرباط سواء في الأسوار أو الأبراج أو تزيينات الأبواب الثلاث التي تنفتح في السور.
وقد بقي رباط تيط سليما حتى القرن 16 الميلادي حينما قام الملك الوطاسي محمد البرتغالي الذي حكم في الفترة ما بين 1505 إلى 1524 ميلادية قام بتهديمه بغرض معاقبة سكانه على استسلامهم للبرتغاليين، وقد رد الاعتبار للقلعة السلطان العلوي سيدي محمد بن عبد الله الذي أخذ الحكم في الفترة ما بين 1757 و1790 ميلادية ويعود له الفضل بالخصوص في بناء الزاوية.

من موسم ديني إلى موسم متنوع:
منذ القدم كان ضريح مولاي عبد الله أمغار يشهد حفلات دينية وتمارس به الشعائر والمراسيم على حضرة الضريح، وكانت تقام مواكب باتجاه الأضرحة والشيوخ والأولياء الصالحين، دونما إغفال جانب الفرجة الذي كان منصبا حول الفروسية.
ومع توالي السنين وتغير الأجيال أصبح موسم مولاي عبد الله يشهد كل سنة موسما بعادات وتقاليد مختلفة عما كانت عليه، تحج إليه الآلاف من مختلف زوار المدينة وأصبح مكانا للاستجمام تقام فيه السهرات والأغاني باختلاف أنماطها وأصبح محط اهتمام نجوم الأغنية الشعبية.
وعلى عكس الفروسية والتبوريدة، فإن موسم مولاي عبد الله أصبح يعرف فرجة أخرى لرواد ومربي الصقور التي انتشرت بمنطقة أولاد فرج بإقليم الجديدة، وأصبحت رافدا أساسيا في إحياء التقاليد بالموسم.

حفظة الضريح:
يعرف ضريح مولاي عبد الله تواجد ما يسمى بـ”الحفظة” الذي يقومون بخدمة الضريح، حيث يعتبر “لحفيظ” خادم الولي، يوقوم بمجموعة من المهام، غير أن هذه الأخيرة تخرج في بعض الأحيان عن أصلها الديني. وتبقى أعمال الحفظة كثيرة من بينها علاج الأمراض المزمنة كالصرع والسحر، كما تنتشر بجوار الضريح مجموعة من الدكاكين الصغيرة التي يتم كراؤها لخدام الضريح واستخلاص أتاوات، حيث تقوم هذه الدكاكين على مجموعة من الممارسات كالشوافات وقراءة الكف، وبيع الشمع، والنقش بالحناء وغيرها من الأعمال.

عادات قديمة:
حلاقة رؤوس المواليد:
تبقى حلاقة رؤوس المواليد من العادات القديمة التي كان يقوم بها “لحفيظ” إلا أنها تقلصت في الآونة الأخيرة، حيث كانت حلاقة رؤوس المواليد الصغار واجبة لحماية الأطفال من الأمراض التي يتعرضون إليها كالمس والسحر، وأمراض أخرى كدم المغدور وأم الصبيان.

الجذبة:
بداخل بعض الدكاكين التي تتواجد بجانب الضريح، تقوم إحدى النسوة بإحداث ليلة راقصة، لكنها مختلفة عن ليالي الرقص الحديثة، حيث تقوم فيها النساء بحركات هستيرية مع دقات للطبول، وتعرف بـ”الجذبة”. وأوضحت صاحبة المحل أن ما تقوم به هو خدمة “المكان” وأنها تقوم بتهيئة أجوزاء الحضرة والجذبة، وإطلاق البخور لمداواة المريض الذي يفرز عبر هذه الجذبة ما يعاني منه من مرض.

الشوافات:
من بين العادات القديمة التي مازالت تحافظ على سيرتها ضمن موسم مولاي عبد الله، هناك “الشوافات” اللواتي يقمن بأعمال ما يمكن أن يقال عنها انها خارجة عن الهدف الديني الذي يمارس داخل الضريح، حيث تتواجد بعض الشوافات بجانب الضريح ويمارسن عملهن بكل حرية. (لالة مينة) هكذا ينادين عليها بعض النسوة، فهي امرأة ذات شيب أبيض على فورة رأسها، امرأة سمينة، لا تكاد تقوم من مكانها، تلعب بأوراق “الكارطة” وتداعب المارة بكلمات غير مفهومة، والقصد منها جلب الحظ وقراءة الكف، غير أن الجالس في حضرتها يعرف ما تقول من قبيل “أنا ما نقول حتى نسمع، وما نسمع حتى نتيق فيك علاش جيتي”، ثم تبدأ في تحريك أوراق “الكارطة” يمينا وشمالا “كتشكي… جا لعندك بالليل وأنت جريتي عليه… كان مقلق… ساع صفيتيها ليه…”.

مولات “لدون”:
امرأة مقعدة ومسنة، جلست بجانبها فسألتها عن ما تقوم به، خصوصا وأنها تضع بجانبها قنينة غاز و”مجمر” يتطاير من فوقه دخان كثيف ذو رائحة غريبة، تقول أنها رائحة ذوبان (اللدون) يصلح للسحر وأمور من هذا القبيل حيث أنها تقوم على مزاولة هاته الحرفة بضريح مولاي عبد الله أمغار منذ ما يقرب عن 10 سنوات، بعدها هرولت إليها امرأة بحال متغير فبدت تنفث الدخان في اتجاهها وتتخطا “المجمر” بأرجلها حتى سقطت أرضا وبدت تتلوى من شدة ما بها من ألم.
وتبقى أمكنة الضريح غنية بمعتقدات ومكتسبات عديدة تجعل منها فضاء غير محدود، إذ كثيرون من يمتهنون عدة عوامل منها من يدخل ضمن خارطة التسول بطقوس متغيرة بمنح البركة وقضاء المراد، وأخرى ضمن قائمة المبيعات كالتبرك بشراء “قرطاس الشمع” ورميه داخل الضريح.

المحرك
يعتبر “المحرك” المكان المفضل لكل زوار الموسم، حيث يشهد المكان الذي عرف تغيرا ملموسا أنماط مختلفة من جمالية الفروسية وما يسمى لدى العامة بـ”التبوريدة”، كما يشهد المحرك أيضا لعبة رماة الصقور التي تتميز بها قبائل عن أخرى وتتباهى بها كما هو الحال عند مربي الخيول الأصيلة بكل جماعة من تراب الوطن الحبيب.
وعند انتهاء لعبة الفروسية ومربي الصقور يأخذ “المحرك” مشهدا مغايرا، إذ تبدأ الفرجة عن طريق تحضير “الحلقة” بكل قواميسها الغنائية والثقافية والخرافية والألعاب التي تخلق في ساحة أربكتها حوافر الخيول.
أمين (22 سنة): ركوب الخيل شئ آخر، ليس كمن يركب سيارة بتجهيزاتها وأناقتها، تحس وكأنك تملك شيئا فريدا من نوعه، لقد تعلمت ركوب الخيل حينما كنت أزور البادية خلال العطل الصيفية فأعجبني ركوب الخيل وحاولت عدة محاولات إلى أن توفقت في هذه الهواية التي أعشقها أبا عن جد، والآن فإني أقوم بـ”الحركة” إلى جانب مجموعة من “العلامة” نمارس التبوريدة بحب وعشق كبيرين.
المرأة فارسة: خديجة (فتاة تمارس الفروسية): لم يعد ركوب الخيل حكرا على الرجل، بل اقتحمت المرأة هذا الفن وأصبحت خديجة تعشق هي الأخرى ركوب الخيل، بل وأصبحت تمارس الفروسية بكل طقوسها إلى جانب رجال من أحجام العلامة وطالقي النار من فوق ظهر الخيل، وقد أبرزت خلال سنوات فارطة براعتها في اقتحام هذا المجال وهي تركب الخيل بهندامها الأبيض الذي يوازي هندام الرجل من حيث الزينة والمظهر.
ويعتبر ركوب الخيل هواية من غير تحديد السن، إذ سرعان ما برهن لنا موسم مولاي عبد الله اجتياح هذا المجال من لدن صغار السن الذين تعلموا ممارسة الفروسية مع مشيخة جابوا المحرك طوال سنين عديدة وهو ما يتيح الفرصة لاستمرار هذا الفن وتطلعه إلى آفاق أوسع ومشاركات في مهرجانات مختلفة ومتعددة دون خلق أي حدود.
كما أن فن الفروسية أو التبوريدة ما هي إلا مناسبة تحتفي فيها الخيالة وتبرهن على براعتها وشجاعة فرسانها، وقد سميت بالتبوريدة نسبة إلى البارود الذي يطلق من البنادق خلال كل مرحلة ويرجع تاريخها إلى القرن الخامس عشر ميلادي حيث ترسم لنا لوحة يعبر من خلالها الأبطال عن شجاعتهم وقدرتهم الخارقة في مواجهة الحروب ضمن أزمنة خلت كما يبتهجون بذلك بترديدهم لأغاني مختلفة وصيحات قوية تنتهي بطلقات موحدة يشير إليها الفارس أثناء تقبيله للبندقية. ولعل تباري رجال الدين والشرفاء لإبراز المواهب والطاقات القتالية العالية التي يتحلى بها الشجعان أيام الحرب، ما هو إلا تعبير عن أيام السلم عن طريق فانتازيا القنص والصيد.

مربي الصقور:
على غرار الفروسية بات موسم مولاي عبد الله قبلة لعشاق ومربي الصقور، حيث ظهر جليا أناس وهبوا حياتهم لخدمة الصقر الدكالي، وأعمارهم شبه متقاربة، وأن عشقهم لتربية الصقور باعتبارها رياضة متميزة وفريدة من نوعها دفعهم لتعليمها لأجيالهم، وذلك بتقديم وتوفير الظروف والأمكنة المناسبة، حيث أن مربي الصقور يحرمون على أنفسهم أكل اللحم ويفضلونه للصقر. وتشتهر قبيلة القواسم بإقليم الجديدة بتربية الصقور، وهي تتواجد بكل من أولاد افرج وأولاد عمران، حيث بات للصقر مهرجانه السنوي.
المحرك ليلا:
يتحول المحرك ليلا إلى “جامع الفنا” بمؤهلاته الشعبية وثقافته الممزوجة بالتراث والفرجة التي تندثر عبر أرجاء ملعب الفروسية، فما أن تنتهي هاته الأخيرة حتى يبدأ كل “حلايقي” من تأثيث فضائه بعدة معدات، فمنهم من يروي القصص ومنهم من يمتهن الفن عبر مجموعة من الأقاويل والحكايات ومنهم من يخلق لنفسه لعبة يتنافس من أجلها الأقوياء في تحريك الصلب نحو القمة، كما أن لعبة القمار التي يشهدها المحرك هي الأخرى تتجه في اتجاه إحياء الموسم بعاداتها وتقاليدها فاختلط الحابل بالنابل.
زوار الموسم:
كثيرون من يأتون للموسم بغرض الزيارة فحسب وآخرون يفضلون نصب الخيام والاستمتاع بجوه وبحره، ومنهم من يفضل هذان النوعين بزيادة نوع آخر من أجل التجارة.
علي: كل سنة نأتي بغرض الزيارة، ومعرفة الجديد عن الموسم من ناحية التجهيزات والسهرات ومشاهدة بالأساس لعبة الفروسية التي يمتاز بها هذا الموسم.
فتيحة: عندما يحين وقت التخييم بموسم مولاي عبد الله أمغار أصاب بنوع من “الرجفة” فأجمع أغراضي وأنصب خيمة بمقابل البحر في وقت مبكر وأغير “روتين” المدينة بجو الخيمة بقرب البحر طيلة أسبوع الموسم.
التباري (بائع الإسفنج): الحمد لله نأتي لهذا الموسم متبركين، فالناس هنا يقبلون بكثرة على تناول الإسفنج مع الشاي صباحا ومساء، فأنا لست الوحيد في هذا الموسم فكثيرون ما يقبلون على هاته المهنة متوزعين وكأننا في مدينة بدروب عريضة.

موسم 2017:

تبقى أھم مستجدات ھذه السنة، أن الجماعة القروية لمولاي عبد الله، تتجه إلى إحياء الطقوس الدينية والتراثية للموسم والتي بدأت تندثر مع مرور الزمن ويتعلق الأمر ببعض الطقوس التي تھم الفقرات الدينية التي يتم برمجتھا في الموسم من أجل إعطائھا المزيد من الاھتمام لقيمتھا الروحية المتجدرة عبر التاريخ.
وركز موسم ھذه السنة وعلى غرار المواسم السابقة، على تنظيم الأنشطة الدينية والأنشطة الثقافية وعروض الفروسية والصيد بالصقور بالإضافة إلى الأنشطة الرياضية والتجارية والسھرات الفنية.
ویعتبر موسم مولاي عبد الله أمغار مناسبة لإبراز مختلف مظاھر الاحتفالیة بھذا الموروث الثقافي اللا مادي الضارب في أعماق التاریخ، تتوزع ما بین ألعاب الفروسیة التقلیدیة (فن التبوریدة) بمشاركة سربات تمثل مختلف قبائل المملكة، مما یجعلھ أكبر تجمع للخیالة بالمغرب.
وبلغ العدد النهائي للفرسان المشاركين في موسم مولاي عبد الله أمغار لهذه السنة 1850 فارس موزعين على 126 سربة دون نسيان السربات النسائية التي دأبت على المشاركة والتألق كل سنة، ومشاركة فرسان أطفال وشباب في محاولة للحفاظ على هذا الإرث الإنساني.
الهبة الملكية:
يحضى موسم مولاي عبد الله كل سنة بهبة ملكية، حيث ترأس عامل إقليم الجديدة محمد الكروج بمقر العمالة، مع بداية الافتتاح الرسمي للمسوم، توزيع الھبة الملكية لحفظة القرآن الكريم وكذا الشيوخ المسنين والمادحين والأسر المعوزة، وأشخاص مصابون بأمراض مزمنة كداء السكري، و القصور الكلوي، بالإضافة إلى أئمة، و ذلك بحضور كل من المكلف بمھمة الحجابة الملكية، سعد الدين اسميج ، ورئيس جماعة مولاي عبد الله و رئيس المجلس الإقليمي ورئيس المجلس البلدي لمدينة الجديدة ورئيس المجلس العلمي المحلي و رؤساء المصالح الخارجية بالاقليم.
أطفال مدينة القدس الفلسطينية:
افتتح موسم مولاي عبد الله سهراته الفنية بمشاركة فنية متميزة لأطفال مدينة القدس الفلسطينية المشاركين في مخيم صيفي بمدينة الجديدة، والذين ألھبوا حماس جماھير موسم مولاي عبد الله بلوحات فنية ورقصات من الفلكلور الفلسطيني، قبل ان تؤدي الفرقة وباقتدار كبير رقصة رائعة على نغمات إحدى الروائع الغنائية الوطنية “صوت الحسن ينادي” حاملين الأعلام المغربية والفلسطينية تجسيدا لروح الإيخاء والمحبة التي تجمع ما بين الشعبين العربيين الشقيقين المغربي والفلسطيني.
كما تعرف سهرات الموسم مشاركة متميزة من فرق محلية ووطنية.