مكة المكرمة.. أرض طيبة مباركة تنثر عبيرها على ضيوف الرحمان
مبادرة فريدة من نوعها لصالح الصحافيين والعاملين بأكبر مجموعة إعلامية في المغرب
المبادرة السنوية التي تقوم بها مجموعة “لوماتان” وجمعية الأعمال التابعة لها فريدة من نوعها في ميدان الإعلام، مبادرة أطيب من روح العود، حيث تمنح للصحافيين والعاملين بها كل سنة فرصة لأداء مناسك العمرة، عبر المشاركة في قرعة يتم اختيار المحظوظين فيها بكل شفافية.
في هذه السنة قررت المشاركة إلى جانب العديدين في هذه القرعة ليتم اختياري إلى جانب كل من عزيزة الغرفاوي زميلتي في مكتب الرباط، ومحمد فنساوي المدقق اللغوي بالمقر الرئيسي للمجموعة، وكذا محسن كرتوش مصور المجموعة بمكتب الرباط، من فئة الصحافيين، فضلا عن أربعة عمال، وهم العراش، وشعيب، وحياتي، وسكري عن مطابع المجموعة، إلى جانب عبد الكبير بومسهولي عن قسم التوزيع، ثم فاطمة عدناني عن قسم المونتاج وأمينة بدري عن قسم الإعلانات.
الفرصة التي تمنحها مجموعة “لوماتان” لا تشمل فقط أداء مناسك العمرة التي تظل حلم كل مسلم، لكنها تتضمن زيارة للمدينة المنورة وقبر الرسول صلى الله عليه وسلم والعديد من الأماكن المقدسة التي كانت شاهدة على ما عاشه المسلمون بداية الدعوة النبوية وخلالها.
قلوب تهفو إلى الكعبة المشرفة
انطلقت رحلتنا يوم 9 يناير من مطار الدارالبيضاء في اتجاه مطار المدينة المنورة. وكان مقررا أن نغادر مطار محمد الخامس حوالي الساعة الثامنة ليلا، وانتظرنا في فضاء الإركاب ساعة ونصف الساعة حتى تجهزت الطائرة بكل وسائل الراحة والسلامة.
منذ انطلاقنا من مطار محمد الخامس أحسسنا أننا نشكل عائلة واحدة. شعرنا بتلاحم كبير بيننا، ومما زاد من قيمة هذا التلاحم، لباقة المؤطر الذي رافقنا، حيث أصر مولاي عبد الله الإدريسي على خلق أجواء عائلية بين الجميع، كما أصر مع بقية أعضاء الفريق من العنصر الرجالي على التكفل بالأمتعة، وطلبوا منا نحن النسوة عدم الاهتمام بأمر حملها.
وصلنا مطار المدينة المنورة بعد خمس ساعات من التحليق في الأجواء، في حوالي الساعة السابعة صباحا. كان الجو معتدلا وجميلا بدأت شمسه ورياحه تداعب خدودنا وأحسسنا بطمأنينة تسكن الوجدان والقلوب معا.
بدا مطار المدينة المنورة، في صباح يوم الأربعاء 10 يناير هادئا، وكل شيء يوحي فيه بالانضباط والتنظيم المحكم. ما إن وصلنا حتى وجدنا في استقبالنا من يرشدنا إلى الأماكن التي سنتوجه إليها لإتمام إجراءات الدخول إلى الديار السعودية.
ما يثير الاستغراب أن كل من يقوم بإمضاء هذه الإجراءات من العنصر النسوي، اللواتي يستقبلن الزوار بكل احترام وأدب لائقين بقدسية المدينة، أما العنصر الرجالي فيكتفي بتنظيم صفوف الزوار بكل أدب مع تقديم المساعدة لمن هم في حاجة إليها.
بعد أخذ أمتعتنا وإتمام إجراءات الدخول للديار المقدسة، طلب منا مباشرة مغادرة المكان، بكل أدب واحترام “لا يسمح للأشخاص المكوث في المطار الله يرضى عليكم من أجل عدم اكتظاظه، هناك حافلات في انتظاركم بالخارج. المرجو التوجه إليها وانتظار بقية أعضاء فريقكم الله يرضى عليكم”، تقول إحدى الموظفات هناك التي يعرف فقط من خلال لهجتها أنها سعودية، حيث يفرض على جميع عاملات المطار ارتداء خمار لا يبرز منه إلا أعينهن.
بعد إتمام كل الفريق إجراءات الدخول والتأشير على جوازاتنا، أقلتنا الحافلة من المطار مباشرة إلى فندق المدينة المنورة، “كل هذا الذي ترونه هو جبل أحد فهو يمتد على 7 كيلومترات” يشرح الإدريسي. تبدو طبيعة الجبل الجغرافية صلبة قاسية تقاوم عوادي الزمن، وأسر لنا الزميل فنساوي، أن أحد من الجبال المباركة من النوع “الذكوري”.
برنامج غني بالمدينة المنورة
بعد أن وضعنا أمتعتنا دخلنا مباشرة في برنامج زيارة المدينة المنورة دون أخذ قسط من الراحة، يدفعنا الشوق واللهفة لهذا اللقاء.
كانت أول حلقة من البرنامج، هي زيارة العنصر النسوي للروضة الشريفة، “الزيارة محددة في الساعة العاشرة صباحا ويصعب تغيير هذا الموعد، حيث إن وزارة الحج والعمرة هنا هي التي تحدد المواعيد”، يبرز المطوف الإدريسي وهو يحث على الإسراع. وشاءت الأقدار أن تكون ضمن المجموعة التي تكلفت بها وكالة السفر نور الفردوس مجموعة من النساء تكبرنا سنا وغير متعلمات، جئن من مناطق متفرقة من المغرب، لهذا طلب منا المطوف الإدريسي التكفل بهن، لأنه لا يسمح للرجال الاختلاط بالنساء في الروضة الشريفة، كما أن الزيارة المخصصة للرجال تكون بعد صلاة العصر.
ما أن دخلنا إلى الحرم النبوي حتى شعرنا بهيبة وعظمة المكان الذي يوحي كل شيء فيه بقدسية المكان ووقاره، وأضافت أطياف من الحمام والطيور التي استقبلتنا شعورا آخر لا يوصف وهي تفرد أجنحتها حولها، في استحياء يعز عن كل وصف.
يبرز شرق المسجد النبوي في المدينة المنورة الحجرة النبوية التي يطلق أسمها على بيت النبي – صلى الله عليه وسلم -، حيث كان صلوات الله عليه يُقيم فيه مع أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق – رضي الله عنهما –
وأكرم المولى تعالى عائشة – رضي الله عنها – بأن جعل في حجرتها قبر النبي – صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر الصديق، وعمر الفاروق – رضوان الله عليهما.
كان المكان ممتلئا بالزوار معظمهم بلباس أبيض، ما يدل على مر التاريخ على مدى المكانة المقدسة التي تحتلها الروضة الشريفة في قلوب المؤمنين الذين لا يزالون يتقاطرون على فنائها صباح مساء ويتنسمون عبق أجواء قبر الرسول الشريف.
قادنا الإدريسي إلى المكان الذي يجب أن نقف فيه ليسمح لنا بالدخول إلى الروضة الشريفة، سلمني أوراق كل عضوات الفريق لأتكلف بمرورهن، “لا يسمح بالدخول إلا للفريق المنظم” يوضح الإدريسي، ويضيف “يجب ألا تنسين أن تقدمن أرجلكن اليمنى عند الدخول وأن تقلن بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله اللهم افتح لنا أبواب رحمتك، ثم تصلين ركعتين تحية للمسجد ” فالإدريسي حريص على كل التفاصيل ويتفاني بشكل كبير في أداء عمله.
وفعلا ما إن وصلنا حتى طلبت منا المشرفة التقدم بالدخول من حاجز وضع لمنع تدفق الزائرات، “كم عدد عضوات فريقك”؟. قلت لها: نحن 15 عضوة ولكن إحدانا لم تحضر لكونها تشكو عياء، فأدخلتنا من الحاجز لنقف في صف مع من سبقنا. ثم سألتني بعدها مشرفة أخرى كم عدد فريقك؟. قلت 15 ولكن واحدة لم تحضر. أخذت الأوراق مني وتصفحتها ثم طلبت مني التقدم مع باقي الفريق للدخول إلى الروضة الشريفة. بعد وصولنا إلى جانب قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ورفيقه أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، صلينا ركعتين وتوجهنا بالدعاء والصلاة على الرسول.
طلبت أنا وعزيزة بعد صلاتنا ودعواتنا من إحدى المشرفات هناك أن تدلنا على مكان قبر الرسول، فالأمر اختلط علينا، إذ أن كل المكان مغطى بآيات قرآنية كريمة. ورغم أن المطوف أخبرنا بأن قبر الرسول صلى الله عليه وسلم يوجد تحت القبة الخضراء، لكن جمال المكان والإتقان في بنائه صعب علينا الأمر. “هنا خلفي يوجد قبر الرسول صلى الله عليه وسلم مع رفيقيه” تؤكد المشرفة.
وتضيف ” يمكن أن تقفن هنا اتجاه قبر النبي صلى الله عليه وسلم بأدب وخفض صوتكن ثم تسلمن عليه بالقول: السلام عليك يا نبي الله ورحمة الله وبركاته، ثم تتجهن إلى اليمين للسلام على أبي بكر الصديق رضي الله عنه بالقول السلام عليك يا أبا بكر الصديق ورحمة الله وبركاته، ثم التحرك قليلا إلى اليمين والسلام على عمر بن الخطاب رضي الله، ثم تنصرفن ولا تقفن كثيرا تقول المشرفة بكل أدب واحترام وبصوت منخفض.
الحجرة النبوية مغطاة بكسوة من الديباج الأسود المرصع بالحرير الأبيض وعليها طراز منسوج من الذهب والفضة، ومحاطة بسياج من النحاس تفاديا لمرور الناس الذين كانوا يلمسون الأحجار السوداء التي بنيت بها الحجرة الشريفة تبركا بها، كما جعلت للمقصورة الشريفة نوافذ من نحاس من جهة القبلة، ونوافذ من حديد في الجهات الأخرى، حيث تمت إحاطة الحجرة الشريفة بجدار له خمسة أضلاع لتشكل مثلثا في الذيل. أما القبة الخضراء التي تعتلي الحجرة النبوية الشريفة، فهي تتخذ شكلا مربعا في الأسفل لكنها تتخذ شكلا مثمنا من الأعلى.
بعد زيارة الروضة الشريفة اتجهنا مع بقية المجموعة إلى الفندق. كان لكل أربعة منا غرفة، وشاءت الأقدار أن نكون أربع نسوة من مجموعة “لوماتان”، وهو ربما ما سهل اندماجنا منذ الوهلة الأولى ولم نحس أننا غرباء عن بعضنا البعض. كما أننا لم نمانع أمينة بدر في البرنامج الذي وضعته لنا لأنها سبق أن أدت العمرة وتخوض التجربة ذاتها للمرة الثانية. وهكذا قررنا التوجه الى المسجد النبوي والتعبد فيه.
اخترنا في اليوم الأول الصلاة في رحاب الحرم النبوي الذي يتسع للآلاف المعتمرين، والذي يفضل غالبية الناس الصلاة فيه، بفضل المظلات التي تغطي جميع ساحات المسجد النبوي الشريف الخارجية والتي تقي المصلين والزائرين من حرارة الشمس بالنهار وقساوة البرد في الصباح الباكر، حيث تفتح هذه المظلات آليا قبل صلاة الفجر. كما صممت هذه المظلات بارتفاعين مختلفين تشكل مجموعات تتداخل في ما بينها عندما تكون مفتوحة، في حين تكون متساوية الارتفاع حين تغلق مساء.
أضافت هذه المظلات على ساحات الحرم النبوي رونقا وجمالا، بشكل يتناسب مع عظمة المكان وأجوائه المفعمة بالروحانيات، مما يجعل المصلين يقبلون على الساحات في أي وقت من أوقات النهار وحتى الليل لإداء صلواتهم خاصة أن كل صلاة تعدل ألف صلاة، والإكثار من الدعاء وقراءة القرآن الكريم. ومما يشجع على إقبال الناس على ساحات المسجد النبوي كون كل امكنة الصلات تقريبا مفروشة بزرابي لتسهيل قضاء المصلين عباداتهم سواء المفروضة أو النوافل التي يرغبون في قضائها في أي وقت من اليوم.
كان للصلاة داخل المسجد النبوي طعم آخر، خصوصا أن صوت الإمام أثناء قراءة القرآن في الصلوات الجهرية يكون أكثر وضوحا، ويشجع على الخشوع أكثر عكس الصلاة في ساحات المسجد التي يصعب سماع القراءة بها بشكل جيد بسبب أصداء مكبرات الصوت. ومما زاد من جمالية المسجد الثريات الكبيرة والأقواس المزركشة، فضلا عن توفر ماء زمزم معبأ في مبردات في كل الأوقات. وضعت على هذه المبردات بطاقات تشير بوضوح لماء زمزم. تنضاف اليها أخر خارج المسجد معبأة بالماء الشروب، كما تشير إلى ذلك بطاقاتها.
الحرص على نظافة المسجد النبوي والساحات المحيطة به يبدو من الوهلة الأولى للزائرين، حيث تصر عاملات وعمال النظافة على عدم التوقف عن المسح والكنس والتعقيم بعد كل صلاة وفي كل وقت. الكل يعمل كخلية نحل تعرف كل نحلة ما هو مطلوب منها وتنفذه بأدق تفاصيله.
في اليوم الثاني من زيارة المدينة المنورة التي دامت أربعة أيام، كان لنا موعد مع مزارات المدينة، انطلاقا من زيارة مسجد قباء أول مسجد بني في الإسلام والصلاة ركعتين به، لنتوجه بعدها إلى إحدى مزارع التمور والتي يعرض فيها مختلف تمور المملكة العربية السعودية بما فيها عجوة المدينة، لنتوجه بعدها إلى زيارة مكان واقعة أحد ومقبرة البقيع.
“هنا وقعت معركة أحد وهنا التقى المسلمون مع قريش. وهذا الجبل هو جبل الرماة الذي يقع بجانب جبل أحد . وسمي بجبل الرماة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر 50 من الرماة أن يتمركزوا فيه وعدم مغادرة مكانهم مهما كانت نتيجة المعركة. لكن بعد هزيمة قريش وفرار من تبقى منهم سارع المسلمون بأخذ الغنائم، كما نزل معظم الرماة مخالفين أمر الرسول لأخذ نصيبهم من الغنائم، وهو ما جعل خالد بن الوليد يلتف حول الجبل من الجهة الخلفية ويقتل ما تبقى من خيرة الرماة، كما قتل الحبشي حمزة عم الرسول.
خلال هذه المعركة استُشهد من المسلمين سبعين رجلاً من الصحابة -رضي الله عنهم-، وأمر الرسول -عليه الصلاة والسلام- بدفنهم في مقبرة البقيع”.
بعد معرفة تفاصيل المعركة توجهنا إلى زيارة مقبرة البقيع، التي توجد بين جبل الرماة وجبل أحد الشامخ، حيث دفن شهداء معركة أحد. ” السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. نسأل الله لنا ولكم العافية” هكذا رددنا عند زيارة المقبرة.
“المقبرة تضم شهداء أحد بالمدينة المنورة، وهي تمثل ذاكرة مكانية للفداء والشهادة، وتضم 70 صحابيا أبرزهم حمزة بن عبد المطلب وهو يتوسط قبرين، وبين هؤلاء أيضا حنظلة بن أبي عامر الذي غسلته الملائكة. القبور هنا ليست كما عندنا. ليست لها شواهد وليست مبنية بل هي لاصقة بالأرض”.
مكة المكرمة تنادي
بعد يومين من مكوثنا في المدينة المنورة، بدأت الاستعدادات للسفر إلى مكة المكرمة وكان ذلك يوم السبت بعد صلاة الظهر أنزلنا أمتعتنا إلى بهو الفندق في الصباح واتجهنا إلى المسجد لأداء صلاة الظهر، وبعدها مباشرة توجهنا إلى مكة المكرمة.
كان أول توقف لنا في اتجاه مكة عند ميقات ذي الحليفة المشهور “بأبيار علي” للصلاة هناك ركعتين قبل الإحرام وأخذ صور مع أفراد المجموعة مع الاستئناس بهذا المكان المبارك الذي أحرم منه النبي ﷺ للحج.
“يجب صلاة ركعتين بنية الإحرام، ثم صلاة ركعتي العصر تسبيقا وتقصيرا تيمنا بما فعله النبي صلى الله عليه وسلم” يؤكد الإدريسي .
انطلقت بنا الحافلة بعد ذلك في اتجاه مكة المكرمة في أجواء إيمانية مع التلبية ( لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك) .أجواء خاشعه وقلوب متلهفة لملاقاة مكة المكرمة.
“أنتم الآن محرمين ويجب عليكم عدم الفسوق أو قول أي شيء يمكن أن يفسد عمرتكم” يشدد الإدريسي.
بعد ست ساعات من السفر وصلنا إلى مكة المكرمة ليلا وشاءت الأقدار أن نفترق عن باقي المعتمرين غير المنتمين إلى مجموعة “لوماتان”، حيث تم حجز لكل مجموعة فندق حسب إمكانياتها المادية. وبعد وصولنا إلى الفندق واستقرارنا في الغرفة المخصصة لنا، التزمنا مع المطوف على أن نكون في باحة الفندق قبل صلاة الفجر للتوجه إلى الحرم المكي.
عكس جو المدينة الذي كان يتسم بالبرودة في الصباح والليل، كان الجو بمكة المكرمة حارا وجافا، ولكن وجود المكيفات في المساجد والفنادق كان يخفف من وطأة الحرارة.
قبل صلاة الفجر كان الجميع في الموعد المحدد، وترجلنا لبلوغ الحرم المكي لكون الفندق قريبا منه على بعد عشر دقائق. “سنصلي صلاة الفجر وبعدها نلتقي عند دورة المياه رقم 3 يؤكد المؤطر. بعد صلاة الفجر اجتمع كل الفريق ليتوجه بنا الإدريسي نحو الكعبة.
“سندخل من باب الملك عبد العزيز، وفي حالة لم يسمح لنا بذلك بسبب الاكتظاظ، نلج الكعبة من باب آخر”، يقول الإدريسي وهو يحثنا على الإسراع قبل اتخاذ قرار منع المطوفين من الدخول من باب الملك عبد العزيز.
مررنا بدهاليز طويلة نوعا ما لنبلغ الكعبة. “عند رؤية الكعبة لا تنسوا قول اللهم انت السلام ومنك السلام فحيينا يا ربي بالسلام” تؤكد علينا الزميلة فاطمة العدناني. ما إن رمقنا الكعبة حتى شعرنا بعظمة البيت والمعتمرون يطوفون بها في أمن وسلام وطمأنينة كبيرة. بعضهم يردد دعواته وأذكاره باللغة العربية والبعض الآخر بلغات بلدانهم المحلية. “سنبدأ الطواف من الحجر الأسود، الذي يوازي الضوء الأخضر الذي في الأعلى، وعلى كل من توازى مع هذا الضوء أن يرفع يده اليمنى ويقول باسم الله والله أكبر ثلاث مرات”، يقول الإدريسي، “ولا تهتموا لأمر عدد الأشواط فأنا أتكلف بالأمر على أحسن وجه” يؤكد على المنوال نفسه، “وبعد الحجر الأسود، وعند بلوغ المقام الابراهيمي صلوا على النبي محمد صلى الله عليه والسلم وعلى سيدنا إبراهيم، ثم ادعوا بما شئتم”، “بعد بلوغ الركن اليماني الذي يبدو بعد ظهور الضوء الأخضر رددوا:” ربنا اتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار” وهكذا كان حتى أتممنا الأشواط السبعة من الطواف.
“يجب أن نصلي الآن ركعتين خلف المقام الإبراهيمي. في الركعة الأولى نقرأ الفاتحة وسورة الكافرون وفي الركعة الثانية الفاتحة وسورة الإخلاص”، يشرح الإدريسي، “وبعد الصلاة سنتوجه إلى المسعى لنقوم بالأشواط السبعة للصفا والمروة.
ارتقينا الصفا على جبل أبي قبيس حيث بدأنا الشوط الأول من السعي، ذاكرين الأدعية المخصصة لكل مشعر.
وقبل البدء بالسعي شرح لنا الإدريسي معنى السعي بين الصفا والمروة بعد نهاية الطواف حول الكعبة المكرمة وصلاة ركعتين خلف مقام سيدنا ابراهيم عليه السلام. يقول الادريسي “إن السعي بين الصفا والمروة يعود إلى النبي إبراهيم وابنه إسماعيل وزوجته هاجر عليهم الصلاة والسلام، حيث إن سيدنا إبراهيم عليه السلام ترك زوجته هاجر وابنها إسماعيل، وعندما أخبرها أنه أمر من الله ردت عليه بأن الله لن يضيعهما، وعندما نفد منها الماء ظلت تسعى بين الصفا والمروة سبع مرات، إلى أن جاء أمر الله ونبع من تحت الأرض ماء وهو “ماء زمزم” ليرتوي منه سيدنا إسماعيل عليه السلام”.
أخبرنا المطوف بالأدعية والأذكار التي يجب ذكرها عند كل مشعر. ” في بداية السعي يجب قول ” إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ”، ثم يجب ارتقاء الصفا، وأن نستقبل الكعبة ثم نرفع يدنا اليمنى ونقول “لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده”. كنا نرددها ثلاث مرات ثم ننزل من الصفا إلى المروة مشيا حتى نصل إلى العمود الأخضر (عبارة عن إنارة خضراء ) فكان مرافقنا يوصي الرجال بالهرولة دون ازدحام مع باقي المعتمرين فيما تمشي النساء دون الإسراع وهن يرددن ” اللهم اغفر وارحم إنك أنت الأعز الأكرم” طيلة العمود الأخضر، وبعد نهاية العمود الأخضر ينتظر الرجال النساء ليكملوا معا الشوط مشيا إلى أن نصل إلى المروة فنرتقي عليها ونقول ما قلناه أول مرة وكنا نكرر ذلك خلال سبعة أشواط التي كانت تبتدئ من الصفا وتنتهي في المروة، والصعود على جبلي الصفا والمروة، والهرولة بالنسبة للرجال بين العلمين الأخضرين. وبذلك انتهى السعي بين الصفا والمروة بخير والحمد لله.
بعد السعي، شربنا ماء زمزم الذي كان بالوفرة التي تكفي ملايين المعتمرين في كل زاوية من الحرم المكي، داخل المسجد الحرام وخارجه وفي كل الأماكن والطبقات وعند الكعبة المكرمة وبين الصفا والمروة. وكان الناس يرتوون منه بعد الجلوس والتوجه إلى القبلة (الكعبة المكرمة) وذكر اسم الله والدعاء بما يشاؤون. كان كل واحد يشرب حتى يرتوي.
“أترون هذا الجبل خلفي؟. بهذا المكان كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم بتبليغ الرسالة بداية الإسلام” يوضح الإدريسي
طيلة أيام الزيارة كنا نشرب ماء زمزم ونملأ قنينات صغيرة نأخذها معنا إلى الفندق لنشربها كلما رغبنا في ذلك أو كلما شعرنا بالعطش. ويقال “ماء زمزم لما شرب له”.
ومنا من قام بـ”التضلع” بماء زمزم قبل انتهاء فترة مناسك العمرة، حيث يشرب الشخص ماء زمزم بكمية كبيرة حتى يشعر بأن الماء ملأ أضلعه، ودائما يدعو بما يشاء.
لا يمكن للمعتمر أو الحاج أن يعود إلى بلده بعد أداء المناسك بدون ماء زمزم، لذا حظي كل واحد منا بنصيب من هذا الماء المبارك عند عودتنا إلى المغرب في مطار جدة. جلبناه معنا من أجل العائلة والمقربين والأصدقاء والزملاء في العمل.
“يجب أن تقوموا بحل عمرتكم، من خلال حلق الرجال لرؤوسهم وقطع النساء مقدار أنملة من شعرهن، لإتمام العمرة، وإلا ستظلون في الإحرام، ولن تكتمل عمرتكم ألا بحلق الشعر” يقول الإدريسي. ويضيف بعد انتهاء مناسك الطواف والسعي، موعدنا غدا ان شاء الله على الساعة السابعة، لنقوم بزيارة جيل ثور، وجبل عرفة وجبل النور والعديد من مزارات مكة المكرمة.
بعد صلاة الفجر والإفطار اتجهت بنا الحافلة إلى أول محطة من مزارات مكة المكرمة. كان جبل ثور أول مزار نقوم بزيارته، “هنا بهذا الجبل توجد المغارة التي اختبأ فيها رسول الله صلى عليه وسلم والصديق أبو بكر، بعد خروجهما من مكة، وهنا ظلا ثلاثة أيام مختبئين، كما أن الصديق تعرض للدغة عقرب ولم يشأ أن يوقظ النبي عليه الصلاة والسلام، الذي كان يتوسد ركبتيه، ولكن الدموع بدأت تنسكب من عيني الصديق لتنزل على وجه النبي الذي استيقظ وسأل أبي بكر بما ألم به وعندما أخبره بأن عقربا لدغته، قام صلى الله عليه وسلم بمسح مكان اللدغة وزال الألم، سبحان الله، عن أبي بكر” يشرح الإدريسي.
بعد أخذنا نبذة تعريفية عن جبل ثور، دون إغفال أخذ الصور التذكارية، ركبنا الحافلة للتوجه إلى جبل عرفة، أعظم ركن في مناسك الحج، والذي عكس ما نراه على شاشات التلفاز خلال موسم الحج، كان مكانا شاسعا جدا ويمتد على مساحة تتسع للحجاج الذين يكون عددهم كبيرا جدا، كما بدا المكان أكثر تنظيما ونظيفا للغاية كأنه ينتظر استقبال الحجاج في أي لحظة.
بعد بلوغنا قرب الجبل، ترجلنا لنتوجه إليه. “لا تنسوا رقم الحافلة. بعد زيارة الجبل يجب أن نعود إلى الحافلة، “الجملة التي يرددها الإدريسي في كل لحظة ننزل من الحافلة، ولكن مع انسجام الفريق وتلاحمه وعذوبة حديث الإدريسي، وحب معرفة المجموعة لكل تفاصيل الأماكن، نادرا ما يشرد أحد أعضاء المجموعة. كان المؤطر ومندوب الرحلة عبد الله الإدريسي، كما أسر لنا محمد فنساوي، يتقن التلاوات، والغرفة الرباعية التي استقر بها رفقة فنساوي، وكرتوش وبومسهولي، كان يشنف مسامعهم بتلاوة آيات محكمات، يفضل بدايتها بمقام البياتي، ويتمها بالمقام ذاته، فضلا، يقول فنساوي، عن أحاديث تتعلق بكل ما هو ديني روحاني، وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام.
عرفة
“عرفة أو عرفات، قيل لأن جبريل عليه السلام طاف بإبراهيم، وكان يعلمه مناسك الإسلام وكان يقول له في كل مرة هل عرفت، وقيل إن هذا الاسم جاء لكون الناس تتعارف بهذه البقعة من الأرض، أما عرفة نسبة إلى كون سيدنا أدم تعرف على حواء في هذه البقعة التي يجب الوقوف بها خلال الحج، كما يشاع أن الكلمة مأخوذة من العرف وهو الطيب؛ كونها مقدسة”، يشرح الإدريسي، “الحجاج يقفون هنا يوم عرفة، والحجاج لا يصومون يوم عرفة من يصوم هم المسلمون في بلدانهم أو الذين لا يؤدون مناسك الحج”، يوضح الإدريسي.
عرفات مجهزة بكل ما يلزم لقضاء يوم في التعبد تحت شمس حارة، فهناك دورات المياه، ومستوصف والعديد من التجهيزات التي نجحت السلطات السعودية في إنجازها. بعد عرفات صعدنا الحافلة لنمر على المزدلفة ومنى، التي تغطي مساحاتها الشاسعة الخيام ذات الطراز الحديث والمتقن الصنع، وخلال فترة الحج تقوم السلطات المختصة بتجهيز الخيام بالأفرشة والأغطية. ومن خلال مرورنا بمنى، يشير الإدريسي إلى نصب في جبل مقابل لمنى. “أترون ذلك النصب على ذلك الجبل، هناك كان سيدنا أبراهيم سيذبح سيدنا إسماعيل وهناك تم فداءه بذبح عظيم”. ليوجه انتباهنا إلى أحد المساجد الكبرى. “أترون ذلك المسجد ذو المآذن الكثيرة؟. في ذلك المسجد صلى 70 نبيا”.
أثناء توجهنا إلى جبل النور، أشار الإدريسي مرة أخرى إلى أحد المساجد. “هذا هو مسجد الجن بمنطقة الغزة، وتمت تسميته بهذا الاسم، لأن الجن استمع في هذا الوادي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن، وأسلم العديد من الجن بعد سماعهم القرآن، كما نزلت سورة تحمل اسم الجن”، يفسر الإدريسي.
بعد وصولنا جبل النور، أخبرنا الإدريسي أنه يوجد بهذا الجبل غار حراء، الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يختلي ويتعبد فيه قبل النبوة، لنمر بعد ذلك إلى مقبرة المعلاة التي دفنت فيها أمنا خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وجملة من الصحابة رضوان الله عليهم.
ما بعد مناسك العمرة
بعد انتهاء مناسك العمرة، ونسأل الله أن يتقبل منا جميعا، انتهى برنامج الرحلة بالنسبة لمرافقنا الادريسي، وبالتالي أصبح كل شخص منا حرا في التعبد بمكة المكرمة كيف يشاء، وكان الرجال يرافقون بعضهم أثناء التردد على المسجد الحرام من أجل أداء فرائض الصلاة الخمس أو من أجل التبضع، وتفعل النساء الشيء نفسه. كنا نستيقظ حوالي ساعتين قبل آذان الفجر بمكة المكرمة، ثم نغادر الفندق مشيا على الأقدام في اتجاه المسجد الحرام، في مدينة لا تنام طيلة 24 ساعة حيث يكون الشارع المؤدي إلى المسجد ممتلئا عن آخره. جميع المعتمرين يهرولون ليجدوا مكانا لهم داخل المسجد الحرام، ومنهم وفود قدمت لأول مرة ستصلي الفجر ثم تتوجه إلى الكعبة لأداء مناسك العمرة بداية من الطواف من الحجر الأسود إلى السعي وشرب ماء زمزم.
منذ وصولنا مكة المكرمة كانت لدينا أمنية، وهي الصلاة مباشرة أمام الكعبة، لأنه يصعب ذلك بسبب الملايين من المعتمرين، ولأن المكان المخصص للصلاة بالقرب من الكعبة لا يسع إلا عددا معينا من النساء والرجال، وبالتالي يتم إغلاقه بعد أن يمتلئ إلى أن تنتهي الصلاة. وبالفعل تحقق هذا الأمل للكثير منا. وقد حظينا (ليلى، عزيزة وفاطمة) بالصلاة في هذا المقام الكريم أكثر من مرة، وهو شعور غريب ينتابك وأنت تنظر إلى الكعبة في كل مرة وكأنك تراها للمرة الأولى، وتتساءل مستغربا هل أنت فعلا أمام هذه المعجزة الربانية. لكنك تحمد الله وتشكره كثيرا على هذه النعمة. وبعد الله نشكر من كان سببا فيها (القائمون على مجموعة لوماتان: إدارة وجمعية الأعمال التابعة لها وجميع الزملاء وكذا العاملون بها ) جزاهم الله عنا خيرا.
بعد أن تحققت أمنية أداء مناسك العمرة بفضل الله تعالى زاد طمعنا وأصبحنا نسأل الله، بعد أن رأينا الكعبة المكرمة مباشرة وطفنا حولها وصلينا أمامها، أن نلمسها ونلمس الركن اليماني والحجر الأسود أو أحدهما. وبالفعل تحققت الأمنيات للبعض منا الذين حظوا بلمس الحجر الأسود والركن اليماني، وهذا ليس متاحا بفعل الاكتظاظ ورغبة الكثيرين في لمسهما. وتحقيق ذلك هو نعمة أخرى أنعم الله بها علينا. وإن كان لمس الحجر الأسود ليس ضروريا أو إجباريا، بل يجب، عندما تستقبله موازاة مع الضوء الأخضر، أن ترفع يدك اليمنى وتشير إليه وتقول بسم الله، الله أكبر، ثلاث مرات.
الاعتكاف بالمسجد الحرام
في الليلة الاخيرة من مغادرة مكة، وبما أن هذه الفرصة ثمينة ولا نعرف إن كانت ستتكرر أم لا، ومن أجل استغلالها في التعبد والثناء على الله سبحانه وتعالى، قررنا نحن النساء المنتميات لمجموعة “لوماتان” الاعتكاف في المسجد الحرام وقيام الليل. حيث أخذنا معنا القليل من الزاد والماء متوفر في المسجد (ماء زمزم)، وبقينا بعد صلاة العشاء في المسجد نردد الأذكار تارة ونتلوا القرآن تارة أخرى في محاولة لختمه قبل انتهاء الزيارة لمكة المكرمة والعودة إلى المغرب. بعد منتصف الليل بدأ النعاس يعاكس جفوننا، فاتفقنا على أن نأخذ قسطا من الراحة لمدة 10 دقائق لكل واحدة، وقد حاولنا لكن ذلك لم يكن ممكنا، بسبب الأجواء داخل المسجد الذي كان شبه ممتلئ، فالكثير من المعتمرين نساء ورجالا يقضون الليل في المسجد في العبادة والذكر، فبقينا نقاوم من خلال قراءة القرآن، وفي تلك الليلة اقتربنا من ختمه، وفعلا ساعدنا قيام الليل في ختمه قبل نهاية الزيارة.
طيلة الليل وإلى غاية أذان الفجر يوم الجمعة، كانت وفود المعتمرين تمر عبر المسجد الحرام في اتجاه الكعبة المكرمة لأداء مناسك العمرة، حيث يتواصل الطواف بها طيلة 24 ساعة، وبعد آذان صلاة الفجر امتلأ المسجد عن آخره وخارجه وفي كل زاوية من زوايا الحرم المكي، حيث أدى الجميع صلاة الفجر، ثم غادرنا المسجد مشيا على الأقدام. بدت المسافة بين المسجد الحرام والفندق كبيرة، رغم قصرها، بسبب العياء الذي كان يلازمنا حينها، وبعد جهد كبير وصلنا إلى الفندق، ثم توجهنا مباشرة إلى المطعم حيث تناولنا الفطور. بعد ذلك خلدنا الى النوم ثم توجهنا قبل أذان الظهر من جديد إلى المسجد الحرام للصلاة مع المعتمرين الذين وفدوا من جميع أنحاء العالم.
مدينة لا تنام
في أي وقت توجهت إلى الحرم المكي ليلا أو نهارا، بعد منتصف الليل أو فجرا، ستجد الحركة دؤوبة في شوارع مكة المؤدية إلى المسجد الحرام، خصوصا شارع سيدنا إبراهيم الخليل، حيث تفتح المحلات التجارية والمولات المجاورة للحرم المكي على مدار 24 ساعة. حيث إنه بعد أداء أي صلاة من الصلوات الخمس، يتوجه المعتمرون إلى المحلات التجارية للتبضع ومن أجل اقتناء هدايا للأهل والأحباب والأصدقاء بعد عودتهم إلى بلدانهم. وهذا ما قمنا به نحن أيضا، لأن الهدايا تفرح الأقارب خاصة الهدايا التي تأتي من مكة المكرمة أو المدينة المنورة (هدايا العمرة أو الحج لها وقع خاص).
عندما كنا نجوب المحلات التجارية نستغرب كون المغاربة معروفين عند أصحاب المحلات حتى لو لم تكن النساء يرتدين الجلابة وحتى قبل الكلام، يبدأون في مناداتنا باللهجة المغربية للفت انتباهنا واستقطابنا لدخول محلاتهم والتبضع منها، فيقولون مثلا “ياك لا باس” أو يقولون ” مرحبا بأهل المغرب” وعبارة ” شنو بغيتي”، و”بزاف” وغيرها.
أما حين تلبس النساء الجلابة المغربية المعروفة عالميا، فتسمع الجميع ينادي ويطلب منا التبضع من محله، وفعلا كان المغاربة في هذه الفترة متواجدين بكثرة في مكة لأداء مناسك العمرة، وكانوا يتبضعون بكثرة أيضا. وكان أغلب أصحاب المحلات مصريين أو من اليمن يشغلون أبناء بلدهم ومنهم بعض الباعة من أمهات مغربيات أو لديهم إخوانهم متزوجون من مغربيات. عندما نتبادل أطراف الحديث معهم يجمعون على جودة ولذة الطبخ المغربي وحبهم له. المغربي في هذه الربوع تسبقه سمعته وأخلاقه، وهو يسترشد بأثر “لا جدال في الحج”
أمن مكة.. رجال متفانون في خدمة ضيوف الرحمان وغيرهم من المقيمين
بشارع سيدنا إبراهيم الخليل تسللت يد سارق مدربة إلى محفظة الزميل مصور الجريدة محسن كرتوش، الذي لم يحكم إغلاق محفظة نقوده، وهكذا في رمشة عين لم يتبق من ماله سوى ثلاثة ريالات سعودية من مبلغ 700 ريال، و1500 درهم مغربية، فجأة توقف محسن وهو يبحث في كيس به قميص اقتناه لطفل يتيم من الفراشات وهن نيجيريات يمتهن بيع الأقمصة المستعملة، والاكسسوارات لضيوف الرحمان وغيرهم من المقيمين بهذه الديار المباركة، بحث محسن عن ظرف عبأ فيه كل مدخراته المالية، إلا أنه سقط في يديه، وحاولت أنا والإدريسي، أن اهدئ من روعه، واستطعت إسكات غضبه، وهكذا عاد إلى هدوئه المعتاد، وقصدنا شرطي مرور، وأدلنا على رقم 911، اتصلنا بهذه الجهة التي أرسلت لنا رجل أمن بعد انتظار 10 دقائق بالتمام والكمال. وصل الشرطي وهو شاب وبجسم رياضي، وبوجه مليح، حينا بتحية الإسلام، وسردنا له الواقعة، ودفع له كرتوش بطاقته الصحفية المهنية، ولم يلتفت لها، وقال لنا هذا الرجل الذي يسترشد بأخلاق الرسول، إننا هنا في خدمة ضيوف الرحمان والمعتمرين، كيفما كانت جنسياتهم لا فرق، نعاملهم بالمعاملة الطيبة، وبالمسافة نفسها، نعامل الجميع سواسية مثل المسلم واليهودي والنصراني وهلم جرا، ورافق في سيارته كلا من محسن كرتوش وعبد الله الإدريسي، الى مخفر الشرطة لتدوين المحضر، وبعدها خروج لجنة متخصصة لفحص الكاميرات المثبتة في شارع سيدنا إبراهيم الخليل.
شاع الخبر وسط زميلاتنا الصحافيات وزملائنا المطبعيين، وتقاطروا علينا في غرفتنا الرباعية، يستفسرون عن مصدر هذه السرقة، وهم يؤمنون بان هذه البقعة المباركة لا تشهد السرقات وهذه الممارسات المخلة بآداب المعتمرين والحجاج. وباستطلاعنا تيقنا أن هذه الممارسات ينفذها أشخاص لا علاقة لهم بالتعبد والصلاة يقصدون مكة المكرمة لهذا الفعل فقط، حسب رجل أمن، الذي أسر لنا أن عقابهم يكون عظيما، حين يسقطون في أيدي رجال الأمن.
معتمر فلسطيني يشيد بأخلاق المغاربة
بين صلاتي المغرب والعشاء، ونحن في رحاب الحرم المكي، انتبه فلسطيني لدردشة بيني وبين محسن كرتوش، واستلذ الحديث، وسلم علينا وقدم لنا نفسه، وعرفنا مغربيين، وحين سألته قال إن نعل كرتوش، وهو من صنف “بلغة” مغربية صفراء تسر الناظرين، اكتشفها واكتشف جنسيتنا على التو، ورحب بمعرفتنا، وقال إنه زار المغرب، خصوصا شفشاون، وله هناك أصدقاء كثر مغاربة، وأثنى على ضيافة المغرب، كما أثنى على أهل شفشاون الطيبين، وزار، أيضا، الدارالبيضاء ومراكش وتذوق المطبخ المغربي، الذي أعده واحدا من الأطباق العالمية التي لا تضاهى، منوها بالشاي المغربي المنعنع، وبـ”الحرشة” ومثيلاتها من المخبوزات.
استلذ محسن كرتوش الصحافي الفوتوغرافي حديث الفلسطيني وحاول ان ينصت بكل جوارحه لهذا الحديث ذي شجون، أثناء هذه الدردشة تناول كرتوش هاتفه المحمول، الذي لا يفارقه حتى في أصعب المواقف، مثل لمسه الكعبة، وحشر رأسه لمدة تزيد عن ثلاث دقائق وهو يقبل الحجر الأسود، ورغم التدافع الكثيف، ظل ممسكا بالهاتف ويصور هذه الجموع التي حاولت لمس ثوب الكعبة الشريفة، (تناول) الهاتف الذي حوله إلى كاميرا، وبدأ في أخذ صور شتى وفي مواضع مختلفة، بدربة واحترافية يقل نظيرها، وهو المصور الذي راكم تجربة كبيرة تقارب 26 سنة من العمل الدؤوب في مجموعة “لوماتان”.
شكر خاص
لم نكن ملزمين بنقل كل تفاصيل الرحلة الشيقة التي قمنا بها إلى الديار السعودية من أجل أداء مناسك العمرة، ولكن هي مبادرة منا من أجل شكر الساهرين على مجموعة “لوماتان” على هذه المبادرة القيمة المتمثلة في منح العاملين بها هذه الفرصة التي يحلم بها كل المسلمين، ثم لنقل التطور الذي تحرص عليه السلطات السعودية وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين، في توفير الأجواء المريحة لضيوف الرحمان من أجل قضاء مناسكهم على أفضل وجه، والعودة إلى بلدانهم سالمين غانمين.
فمنذ حلولنا بالمدينة المنورة شعرنا بحفاوة الاستقبال كمغاربة، وهو ما يدل على تطور العلاقات الطيبة والأخوية التي تربط المملكة المغربية بالمملكة العربية السعودية، وعلى سهر السلطات السعودية المختصة على تنفيذ برنامج خدمة ضيوف الرحمان، الذي يعد أحد برامج رؤية المملكة العربية السعودية 2030، الهادف إلى إحداث نقلة نوعية في تجربة الحج والعمرة والزيارة، من خلال زيادة الطاقة الاستيعابية لمنظومة الخدمات المقدمة لضيوف الرحمان والارتقاء بها، وإثراء الرحلة الدينية، والتجربة الثقافية ويعكس الصورة المشرقة والحضارية للمملكة في خدمة الحرمين الشريفين.
كما يأتي هذا العمل المتواضع لتسليط الضوء على العيون التي لا تدركها الأبصار، تقدم أفضل الخدمات وأجلها للمعتمرين ولحجاج بيت الله الحرام. فالمعتمر لا يترك وحيدا في هذه الأرض المباركة، كل صنوف الراحة النفسية والبدنية متوفرة من أجل راحته وسلامة بدنه، وهو ما يعكس حرص خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، على استتباب الأمن والطمأنينة لضيوف الرحمان، فبارك الله في كل من سهر على أدائنا مناسك العمرة في أجواء يصعب نسيانها، ويسهر على خدمة الإسلام والمسلمين.
* روبورتاج: ليلى أنوزلا عزيزة الغرفاوي محمد فنساوي تصوير (محسن كرتوش)