22 لوحة مختلفة الأحجام تستلهم المربع كفلسفة فنية وجمالية
تقدم الفنانة التشكيلية المغربية ياسمينة دريوش آخر أعمالها الفنية في معرض فردي برواق ميندار"Mine d’art "بالدار البيضاء، ويمتد هذا الحدث الفني إلى غاية 28 من الشهر الجاري.
وتندرج تجربة دريوش ضمن الحساسية الجديدة، وقد أثبتت مفرداتها الصباغية روحها في المشهد الفني المغربي بما تحمله هذه المبدعة المفتونة بالأشكال الهندسية، من تقنية وحدها تعرف أسرارها. ولعل المربع كشكل هندسي فرض وجوده في المجال المعماري، ما خول لدريوش ان تؤسس لنفسها أسلوبا خاصا، يبدأ بالمربع كرمز هندسي وينتهي إليه، في أول تجربة اختارت لها حلة فنية تحتوي جهازا مفاهيميا وتعبيريا.
العقل المربع لا يستسلم للفوارق الدقيقة، كما جاء في ورقة المعرض، والمربع هو الشكل المعتاد في عمارة منازلنا، وغالبا ما يضفي شكله على نوافذنا مسحة جمالية وفلسفية معا. فدرجة انفتاح هذه المربعات تحاكي عاداتنا الثقافية.
فاشتغالها على شكل المربع لكن في أوضاع مختلفة ومتنوعة بما تطرحه ريشتها من إشكاليات فلسفية مختلفة؛ يصب أساسا في القيم الفنية والجمالية؛ فمفرداتها الصباغية تتجه إلى صنع أشكال دقيقة من المربع الذي يخفي جانبا من فلسفتها وذائقتها الفنية.
في أزيد من 22 لوحة بأحجام مختلفة تبث فيها عطاء أكاديميا وتراكما معرفيا وحسا إبداعيا، فهي تنطلق حسب العديد من النقاد الجماليين من الشكل الحسي لبناء أساس تشكيلي بأسلوب فني يخدم رؤية مشدودة بروح المعالم الشكلية والهندسية.
استطاعت الفنانة التشكيلية ياسمينة دريوش وهي تتنقل بين أحجام لوحاتها التي أثثت أروقة ميندار ان تخترق السند مسنودة إلى علامات المربع التي اختارت ان يكون عصا ترحالها الجمالي والفني، كما يشكل هذا الصنيع الجمالي دعوة لاستشراف العمق، بيد أنها ممارسة تشكيلية متمكنة من أدوات ووسائل اشتغالها.
يحق لنا أن نتحدث عن عتبة الرمز المربعي مع هذه المبدعة، فالمربع بؤرة التمحور والمرونة وتنويع التشكيلات، وإن استطاعت الفنانة دريوش أن تبسط وتفرد لهذا الشكل في أعمالها مساحة كبيرة، تعكس نظرتها للحياة في كل تجلياتها. إنه سر الجمال البصري وملتقى الامتدادات والتجليات وملتقى الانفعال في الحركة والتوازن في التناظرات الكلية والجزئية والفراغات المشحونة بالمعاني والدلالات.
طوعت مادة السيراميك وجعلتها منفتحة على المربع لا المكعب، فبذلك تكون الفنانة ياسمينة دريوش واحدة من الفنانين الذين احتفوا في تجاربهم بالأشكال الهندسية، وأسسوا لمفهوم اللوحة الذهنية، فكل لوحة بمثابة سجل بصري منفرد يحتفي بالمربع في كل أوضاعه وتمثلاته، والمعرض الفردي الأول لها برواق ميندار أثمر اسما جديدا حفر بقوة في سماء الإبداع المغربي في عنصره النسوي.
جماليا يصعب حصر تجربة الفنانة التشكيلية دريوش في خانة أو مدرسة تشكيلية محددة، من حيث سياقها التاريخي والفني، بقدر ما يمكن وصف أسلوبها بالتجريد الشكلي وإن استلهمت من المربع كشكل "جيومتري"، ذائقتها الفنية ومقتربها الجمالي ليس كمرجعية من حيث الخصوصية الفنية أو التقنيات التشكيلية الموظفة في إبداعاتها، بل كتجربة شخصية، مرتبطة بمحيطها المباشر وغير المباشر، أي ذلك المحيط السردي الأدبي أو المرئي، المؤثر في كل مبدعة ذات حساسية فنية مرهفة.