مشاركة الفنانة التشكيلية إلهام العراقي عمري للعام العاشر في صالون الخريف2022 بباريس

 

منجزها الصباغي يدعو المتلقي إلى التملي والتأمل والتفاعل مع العمل

للعام العاشر، تشارك الفنانة التشكيلية المغربية إلهام العراقي عمري في صالون الخريف 2022 بباريس. لكن هذه السنة فضل المشرفون على الصالون، تغيير وجهة شان جليزي المكان المعهود لاحتضان هذه التظاهرة الفنية، إلى أجمل فضاءات باريس وهي ساحة لا فييت، ” La Villette”، وتعد أكبر حديقة وأهم مساحة ثقافية في باريس، حيث يجمع هذا الموقع مرافق فنية وثقافية متعددة منها المعهد الوطني للرقص والموسيقى، ومسرح Paris-Villette . وهذا الموقع الاستثنائي سيستقبل الدورة 119 من معرض الخريف بباريس، التي تنطلق من 20 إلى 23 أكتوبر الجاري.

وتقدم الفنانة التشكيلية إلهام عمري لوحات تشكيلية تجريدية تحت عنوان” مد وجزر وقت”، وظفت فيها تقنية خاصة توحي إحدى اللوحات وهي من الحجم الكبير بأن هناك تأثيرا جويا يرتفع أعلى اللوحة، مع التأكيد في أسفلها على جنون الوقت وتمجيده. فالعمل عبارة عن تجربة فردية أصيلة، تستند إلى إيقاعات محمومة ومزدحمة للساعات تتبخر بإبرة بيضاء مضيئة تدور في الاتجاه المعاكس، وتوضع آلية للإبرة المثبتة على القماش لتعمل.
لماذا بقيت وفية لهذا الصالون لمدة عشر سنوات، وما هي هذه العلاقة الحميمة التي تنسجها الفنانة إلهام العراقي عمري بمرور الوقت، من خلال الكشف عن لوحات بتركيبات إبر في الاتجاه المعاكس، وخيوط منسوجة في حركة دائمة، ومنحوتات. وتنصيبات تحيل على الساعة الرملية، والعجلة في دوران مع الزمن.
عن تجربتها الصباغية كتبت ليلى التريكي، مسؤولة عن قطب الفن والثقافة بمؤسسة التجاري وفا بنك،” في الواقع، في عام 2013، انتجت الفنانة التشكيلية إلهام العراقي عمري سلسلة من اللوحات، تحت مسمى التوهج” Incandescence” ، وهي سلسلة من الأعمال بألوان دافئة وحتى بركانية. شكلت هذه المرحلة مسارا خاصا في تجربة الفنانة الصباغية، إذ انتقلت من المنزع التشخيصي، الى الاتجاه التجريدي، فقد تلقت الكثير من التشجيع ولكن أيضًا العديد من الانتقادات من قبيل “الرسم بالنار”، ولخصت الفنانة هذه التجربة بحديثها عن النور والحمل والتكوين. وتوجت هذه التجربة الجديدة باختيار إحدى لوحات السلسلة في صالون الخريف لسنة 2013 بباريس. ما شكل تقديرا مهما للفنانة إلهام عمري.
في عام 2017، تم تكريم الفنانة بلقب “عضو صالون الخريف” وهو قرار اتخذه مجلس إدارة الصالون كمكافأة على الجودة العالية للإنتاجها الفني.
من جانبه يرى الكاتب والسوسيولوجي، مصطفى ساها، أن أعمال إلهام عمري تعبر عن الزمن العضوي في مظاهره المتقلبة وتحولاته المتطورة. إن ذاكرة المستقبل، التي تُدرك في وفرتها الذاتية، تدمج الماضي والحاضر والمستقبل، وهي مدة لا يمكن اختزالها، بمقياس الحركة حسب ما قبل وبعد (أرسطو) .الفن منذ نشأته، حسب شارل بودلير يسائل الزمن “ثلاث آلاف وستمائة مرة في الساعة. منحوتات ولوحات إلهام تتبع الزمن بوساطة ميكانيكية وصبغات أيقونية.
يقول الباحث والفنان التشكيلي، عزالدين إدريسي هاشمي،” في أعمالها الأخيرة تمزج بين المزيد من الحداثة والمعاصرة، تساءلت الفنانة إلهام عمري عن مسألة الوقت إلى أقصى الحدود. تدمج أنظمة الساعات في اللوحات، الخالية من الأرقام، مع الاتصال الهاتفي المحمول والعقارب … بعد تعديل وظائفها الميكانيكية. تدور العقارب في الاتجاه المعاكس … من اليمين إلى اليسار …! هنا أيضًا يصعب قياس الوقت! هذه ليست ساعة.
ارتبطت تجربة إلهام عمري بالعديد من الأروقة العالمية، كما ارتبطت أيضا بالكتابات النقدية العربية والغربية، ونكفي أن نذكر الناقدة الفنية والكاتبة، بثينة أزمي، التي قالت في هذا الشأن “هكذا أعمال إلهام عمري تدعو المتلقي إلى التملي والتأمل والتفاعل مع العمل، لا سيما من خلال تنشيط ذراع الساعة الرملية التي تتساقط رمالها فجأة، دفعة واحدة. عكس الساعة الرملية: الوقت ينهار أمام عينيك. ولن تفشل في الارتعاش من هذا الانفصال المفعم بالحيوية. نحن لا نخرج سالمين من هذه التجربة التي تعيدنا إلى عجز لا يمكن علاجه، عجز سريع الزوال، من نهايتنا، وهو الجسد المحاصر في شبكة مستحيلة.
يقول الدكتور في الأدب الفرنسي، بوكدال، إن “لوحات إلهام العرقي عمري، تقدم نفسها على أنها شيء رائع وهش مثل اللهب المكشوف للرياح الداخلية. ويضيف صاحب كتاب” الفنانات المغربيات المعاصرات”، أن أعمالها تعبير عن إيقاع عاطفي ينشطه التساؤل عن الثنائيات التي يتكون منها الوجود. يعبر الدافع الروحي كل لوحة في موجة من التسامي. هناك في عجبه براءة طفولية تسكن إيماءاته وتشع لوحاته بنور يأسرنا.
بهذا الأفق النقدي، خصتها الكاتبة وعالمة النفس، سعاد فيلال، بشهادة حول تجربتها الأخيرة وقالت فيلال” أكتب هذه الشهادة بسحر وأستطيع أن أقول بصراحة إن اللوحة مثل تمثال إلهام تغمرني بطبيعة السعي الذي يحشد الفنان ويعززه. تتحمل الفنانة المخاطر وتخلق ببراعة تمثيلات رائعة للوقت، وتذهب إلى حد تقديم نموذج مذهل للساعة التي تسير عقاربها في الاتجاه المعاكس للحركة العادية.
كما أنها تدعونا لقلب الساعة الرملية العظيمة، التي صممتها لمواجهتنا بالسرعة التي يمر بها الوقت وتعيدنا إلى حالتنا الفانية.
قالت إلهام إنها تجد العزاء في شغفها بالرسم. العزاء في مواجهة عدم ثبات الكائنات والأشياء التي يمكن للفن أن يساعد في التغلب عليها، والتسامح.
نعم نحن بشر، والحياة هي سلسلة من الأمواج. الأول يطردنا من رحم أمنا، والأخير يعيدنا إلى رحم الأرض. بين الاثنين، يتم منحنا وقتًا أطول أو أقصر لتعلم الضحك والرقص مع الموجات الأخرى التي تمر للتو … مثلنا.
لقد تعلمت إلهام الرقص مع موجات الزمن وهي تفعل ذلك بكثير من الحدس والإضاءة وإتقان الإيماءات واللون لالتقاط الطاقة من مصدرها وتقديمها لنا بسخاء لمشاركتها.
إنها تدعونا إلى الدخول في الرقص بحرية، وتذوق سحر ما هو غير ملموس ومراوغ”.