نعمة التازي: أسرار الدائرة .. محور الإبداع للفنان التشكيلي محمد فكير

على هامش المعرض الفردي للتشكيلي المغربي العصامي محمد فكير بفضاء مسرح محمد الخامس، الذي اختار له “أسرار الدائرة” خصت الناقدة الفنية نعمة التازي، مقالا رزينا تحت عنوان “أسرار الدائرة.. محور الإبداع للفنان التشكيلي محمد فكير”

الفنان التشكيلي محمد فكير يشتغل على مشروع جمالي واضح المعالم والعوالم، يشتغل بصدق على اعتبار ما يبدع صدقا يصل الى المتلقي بمختلف توجهاته وثقافته بصدق أيضا، وبذلك يساهم في تجويد الفن التشكيلي والسمو به إلى الرقي والجمال، حيث يقيم معارضه بصيغة المفرد في رهان على خصوصية العمل، ففي مبادراته اجتهاد لفتح نقاش مع المتلقي بمختلف ادراكاته الفنية والجمالية ، وبذلك يضفي معنى جديدا على مفهوم المعرض، حيث يعمل على تكسير التقاليد المعتادة في المعارض.
بين معرضه الفردي برواق ” النادرة ” بالرباط ، قبل ثلاث سنوات، ومعرضه الحالي بالمسرح الوطني محمد الخامس ، مسافة ابداعية مهمة ، ومدة زمنية تؤكد ما مدى احترام الفنان محمد فكير لفنه بعيداعنأيتسرع أواجترار موضوعات وتكرارها بغية الظهور المجاني في تسابق مع الركاكة وعرض نفس الابداعات .. إن المتأمل والمتتبع لأعمال هذا الفنان الذي يفتخر كونه أتى الى الفن التشكيلي من مدرسة الحياة، بكل تجاربها الحلوة والمرة، ومن صرامتها، وصلابتها وليونتها، يقف عند المساحة الفنية الشاسعة التي يلتقط منها زواياه للتأمل والتفكير، لأنه ينجز أعمالا فنية يتشابك فيها الذاتي والجمالي، من داخل خلفية مرجعية ثرية، تلتقط عناصرها الأساسية من مسار حياتي يومي، لا يقصيه الفنان ولا يبعده، بل يستحضره، ويتركه يندس بشكل جمالي في لوحاته الفنية.
اشتغاله على الدائرة في معرضه الحالي برواق المسرح الوطني محمد الخامس بالرباط ـ 60 ـ لوحة، هو اشتغال على نبض الوجود الإنساني، فالدائرة تشير في تكويناتها إلى الطبيعة والأرض وجماليات الكون الحسية والمرئية والانفعالية والفكرية، كما أنها تشير إلى فكرة مستفزة للوعي والإدراك، فهذه الدوائر في حضورها العام خاضعة لرؤى القضاء والقدر والمصير والحياة مهما كانت درجات تقبلها كثيفة ملونة أو عبثية فارغة، ومن هذه الخاصيات والخصوصيات، تأتي رؤية الفنان محمد فكير للدائرة وأسرارها، وهو ما منح للدائرة في حضورها ارتباطا بالقدر والمصير والموروث التقليدي للتشاؤم والتفاؤل الشر والخير للفناء والخلق وللموت والولادة للفوضى والتناغم والانسجام للجمود والحركة المستمرة بالتكامل .
إن اشتغال الفنان العصامي محمد فكير على الدائرة، هو اشتغال على عمق داخلي وثورة نفسية حسية عميقة، لأن الدائرة تحيل على فضاء قاب لللألوان والتشكيل والزخرفة دائرة متكاملة الجماليات، وقد
عرف التاريخ التشكيلي في موضوع الدوائر، عدة تجارب مؤثرة ومثيرة ولعل أبرزها لوحة “الرجل الفيتروفي” الشهيرة لدافنشي والتي ترتسم أسسها على الدائرة وهي من أكثر اللوحات الغامضة هندسيا وتفسيريا إذ أن اعتمادها البصري والفلسفي القائم على فكرة الدائرة يحيل إلى الكون والانسان والتراكيب الداخلية برمزياتها الوجودية والفكرية والكونية فمركز الانسان ومركز الكون مبني على تلك الدائرة .
الفنان محمد فكير، فنان دائم البحث والتنقيب في عوالم الفن التشكيلي الرحبة والعميقة، يرسم ويبدع بحمولات وخلفيات ذاتية في عينه وقلبه، يرسم تساكنا بين بعده الروحي الكامن في دواخلنا، والبعد الروحي للفن الصباغي بالألوان والمواد المشبعة حد الانتشاء، ألوان ومواد للتأمل المشرع على الأمل والنور والحياة والحب والصدق والرقي … في الأخير يحق لنا أن ننعت لوحات الفنان التشكيلي محمد فكير بالدهشة الصامتة التي تخترق الفضاء المساحي للوحة في شكل تنويعات لونية ومشهدية بليغة. إن أعمال هذا الفنان المتميز والمفرط في إنسانيته تحتوي على مياه فنية وجمالية عذبة تستحق أكثر من قراءة وأكثر من احتفاء.

نعمة التازي.