شمس صهباني تعرض أعمالها الفنية برواق منظار بالدار البيضاء
تُقدم الفنانة والباحثة شمس صهباني معرضها الشخصي برواق منظار بالدار البيضاء، خلال الفترة الممتدة من 9 إلى 27 نونبر الجاري، مستعرضة مجموعة من الأعمال الفنية المميزة التي تشكل طفرة كبيرة في مسارها الفني المُؤَسَّس على الممارسة والبحث، بدءا من العنوان الذي اختارت له اسم “فلورا” المرتبط بإلهة الورد وفصل الربيع في الميثولوجيا الرومانية، لينطلق منه المتلقي كَعَتَبَة أولى لتأمل هذه الأعمال الفنية وتَلَقّيها بحواس مختلفة في تجربة زمنية يتجاور فيها القديم والمعاصر وبلغة بصرية تطبعها جمالية التنوع والتعدد.
فالفنانة إذن من خلال العنوان تُخْضِع أعمالها لبِنْيَةِ النظام الأسطوري وتتخذ من” فلورا” شخصية رمزية لا تظهر في الأعمال الفنية كشكل بل كمعنى لأن علاقة الأسطورة بالفن المعاصر متحولة تتجلى بصيغ متعددة في تمثيلها وتَمَثٌّلٍها. وبذلك فالأسطورة الموجودة ضمنيا في أعمالها الفنية ليست هي الأسطورة خارجها. وتوظفها لغرض إضفاء طابع السمو والرفعة على عالم أنثوي تأملي، في وئام مع الطبيعة للتغلب على اليأس في محيط مضطرب تطبعه الفوضى وأشكال مختلفة من الدمار.
إن ما يجمع ويؤلف الأعمال التي تقدمها الفنانة شمس صهباني هو الموضوع الواحد الذي يتجلى في الاشتغال على الزهور ذات العلاقة الوطيدة بالعنوان ، وهو الموضوع الذي شغل كبار الفنانين في العالم في مختلف الأساليب والاتجاهات والعصور. ونذكر على سبيل المثال لا الحصر سلسلة” زنابق الماء” للفنان الفرنسي كلود مونيه ،و زهور السوسن وزهرة عباد الشمس للفنان الهولندي فان خوخ ، و” باقة ورد ” لبيير أوغست رينوار .. لكن طريقة الاشتغال عليها من طرف الفنانة تختلف، نظرا لتعدد الحوامل وطرق العرض؛ فمنها السند التقليدي والتنصيبات أو الإنشاءات الجمالية إضافة إلى تقديم عمل فني هجين يجمع بين الرسم والنحت أي عمل فني مركب لا يندرج ضمن الفنون المعروفة لدى العامة ولكن يعتبر من سِمَاتِ الفن المعاصر وما بعد الحداثة على اعتبار أن الفن الهجين أَمْلَتْهُ ضرورات العصر خاصة في ظل التطور التكنولوجي الهائل . ويرى الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو أن الهجين يندمج بشكل طبيعي في الإبداع الفني، بما في ذلك نفسه بشكل أكبر ضمن الوضع الطبيعي، كعلامة على تطور الثقافات وعالمنا المُعَوْلَم الذي هو رمز لانفتاح الفن الحالي على الثقافات الأخرى لكن التهجين يتميز أيضًا بدرجة من عدم التنظيم، سواء كان بصريًا أو شكليًا أو ماديًا أو زمانيًا؛ لأن أي عملية إبداعية تنطوي على تحويل المادة المضطربة بطبيعتها إلى إنتاج فني يحمل التماسك والمعنى. وهكذا فإن التهجين يشهد على ضعف النظام لصالح الفوضى، مما يساهم في إنتاج أعمال هجينة استجابة لعالمنا الحالي، لأننا “نحن في عصر المتزامن، و في عصر التجاور. القريب والبعيد، جنبًا إلى جنب، وهو ما يشكل بالنسبة للفنانة محور أعمالها الفنية التي تنزاح فيها عن الإطار الكلاسيكي للفن حيث اتخذ التهجين أشكالا متعددة في العمل الواحد ، فمن تهجين الأشكال ومرورا بالتهجين الأنطولوجي إلى التهجين الزمني، فهذه الأشكال غير المتجانسة تتقاطع في ما بينها لِتُوَلِّدَ أشكالا جديدة، والمُلْفِتُ في المعرض هو أن الفنانة تجاوزت ما هو بصري بدعوة زوار المعرض لتوظيف حاسة الشم في التلقي. متجاوزة التصاحب الحسي الذي تتمتع به وتحاول إشراكه مع الآخرين رغم عدم توفرهم على هذه الملكة .وتوظيف هذه الحاسة لم يكن اعتباطا أو صدفة بل هو استحضار لثقافة المغاربة في الورد التي تطلق اسما أخر على بَاقَتِهِ وهو “المشموم”، هذه الثقافة تتجاوز كل ثقافات العالم في نظرتها إلى الورد، فهو بالنسبة للمغاربة تحية صباحية وأسماء شخصية وعائلية إضافة إلى بعدها الاحتفالي. وهذا ما يؤكده كبار الباحثين حيث يعتبرون أن الورد ثقافة مغربية صرفة انتقلت إلى الأندلس وبعدها إلي أوروبا، ويكفي أن نراجع كتاب الباحث الفرنسي فريديريك بورطال عن رمزية الألوان في العصور القديمة والوسطى والحديثة ونفس الشيء نجده في كتاب تاريخ الخيالة الفرنسية . ولتقوية هذا التصور عرضت باقات من الزهور الطبيعية في زوايا المعرض مضاءة بالشموع شكلتها من مواد طبيعية ومستعادة أعادت تدويرها لتتناسب مع العرض الذي يطبعه التهجين الذي هو أصلا مستمد من البيولوجيا خاصة علم النباتات وبذلك نجد الأزهار تندرج ضمن هذا العلم ، فالمصطلح بدوره بانتقاله من علم إلى الفن يتجانس في ما نطلق عليه الهجين ، ومن خلال هذه المواد التي جمعتها من بيئات مختلفة خلقت من عدم تجانسها أعمالا ذات وحدة فنية رغم تناقضاتها في بين ما هو خالد ممتد في الزمن وما هو زائل ، وبين ما هو جاهز وما مبتكر ، وبين ما هو كلاسيكي ومعاصر. كما أن اختيارها لزوايا القاعة يضفي عليها طابع القدسية.
ومن خلال العنوان المستمد من عالم الميثولوجيا وطرق العرض التي تمتزج فيها الكثير من الحوامل فإن الفنانة حاولت التخلص من واقع فوضوي مضطرب واستطاعت من خلال تخيلاتها الخارقة أن تعبر عنها فنيا طارحة مجموعة من الأسلة حول كيفية التلقي حين أدمجت حاسة الشم متجاوزة التلقي البصري ،كما بلورت خَواطرها اختزلت هذه الأعمال المعروضة في عمل هجين يمتزج فيه الرسم والنحت والجدار والأرض ليبقى هذا التمدد منفتحا على آفاق أخرى. ولم لا تعميمه في معارضها مستقبلا مادام التمدد يقاوم اليأس ويتجاوز المألوف .