حسن نرايس يوقع “السخرية في زمن كورونا” بالمكتبة الوسائطية بالدارالبيضاء
نظمت المكتبة الوسائطية لمسجد الحسن الثاني بالدارالبيضاء، صباح أول أمس السبت، لقاء ثقافيا، ويتعلق الأمر بحفل توقيع كتاب” السخرية في زمن كورونا” للكاتب والناقد السينمائي حسن نرايس. ونشط هذا اللقاء الأدبي الذي زاوج بين الجد والهزل، السيناريست والكاتب أيوب العياسي.
في تقديم الكتاب وصاحبه حسن نرايس، سلط العياسي الضوء على المسار الإبداعي للمحتفى به، مشيرا في تقديم مقتضب إلى أن نرايس يعد واحدا من الكتاب الألمعيين الذين يكتبون بحس سوسيولوجي، مفيدا ان الكاتب يناضل من داخل الكتابة لا خارجها، معددا في السياق ذاته مجمل أعماله الأدبية منها،” الضحك والآخر، صورة العربي في الفكاهة الفرنسية”، “أسماء مغربية”، “محطات باريسية”، “ماذا يقول السينمائيون المغاربة”، “بين الصحافة والسينما”، “بحال الضحك: السخرية والفكاهة في التعبيرات الفنية المغربية” و”المرأة في السينما المغربية خلف وأمام الكاميرا”، هذا المنجز الاخير، كان محور لقاء أدبي استضافته “مجموعة لوماتان” في إطار نادي كتابها، book” club” ونشطته الإعلامية المقتدرة وداد طه. ولم بقت العياسي أن يذكر الجمهور النوعي المتتبع للحركة الثقافية والفنية في المغرب، بأن حسن نرايس جاور أسماء كبيرة في عالم الفن، منها الراحلان الطيب الصديقي، ونورالدين الصايل، إلى جانب شخصيات فنية لا يسع المجال لذكرها واحدة واحدا. وبالحماس نفسه قدم العياسي، أيضا، الدكتور والناقد الجمالي عبد الله الشيخ، الذي قدم محاضرة حول هذا المنجز، موجها، قبل سرد تقديمه الرصين، الشكر إلى الحاج بوشعيب فقار، الذي يقدم الدعم المعنوي للأدباء والمفكرين على اختلاف مشاربهم. وقال عبد الله الشيخ إن حسن نرايس يتميز بكتابة طرسية، في مجمل أعماله يأخذ بتلابيب القارئ، والكتاب الذي بين أيدينا يسرد حكايا السخرية التي تعد جنسا قائم الذات، في الأدب العربي والغربي معا. ودعا الشيخ إلى الاهتمام بالتوثيق، ضاربا المثل بما جمعه من وثائق حول الفنان الراحل بوجمعة لخضر، وبنحيلة الركراكية. بينما تحدث الكاتب حسن نرايس عن تجربته الزمانية والمكانية وهو يحبر محتوى مؤلفه “السخرية في زمن كورونا”. وأضاف نرايس أن المادة الأولية للكتاب جمع نثفها وشتاتها من الفضاء الأزرق، وما كان يعتمل من داخل هذه الوسائط الإعلامية المفترضة من مواقف هزلية ونكت، وشطحات أقرب إلى الصوفية منها إلى الحكم، وبلغة المحدثين فإن الفايسبوك كان ساحة الوغى لنرايس، وهو يحمل معاول البناء لا الهدم، مستعينا بأدوات السخرية التي سطرت مسارا لكتاب أولين ومحدثين، كالجاحظ مثلا والقائمة طويلة. في تدخله وجه نرايس الشكر إلى الحضور المتنوع الذي جمع أهل الإعلام، والشعراء والنقاد الفنيين والممثلين، كما أثنى على الحاج بوشعيب فقار، الذي تابع خطوة بخطوة ميلاد هذا المنجز الإبداعي.
جمهور متعدد المشارب حضر في ذلك الصباح إلى المكتبة الوسائطية وكله أمل في لقاء دافئ وممتع، وكان له ما أراد من خلال الضيف حسن نرايس المحتفى به، وأيوب العياسي منشط اللقاء، والدكتور والناقد الجمالي عبد الله الشيخ، الذي قدم مقاربة مفاهيمية دالة رصينة حول الكتاب.
من أجواء الكتاب نلتفت بكل جوارحنا إلى تقديم من بنات أفكار الدكتور عبد الله الشيخ، الذي اختار له عنوانا دالا، “السخرية: تلقيح ضد الوباء”، وهو في الواقع عتبة لدخول نص الكتاب. نقتطف منه ما يلي:” هذا الكتاب الذي تشرفت بتقديمه بمثابة رصد توثيقي للزمن الكوروني الموبوء بالمغرب منذ صدمة تسجيل أول حالة إصابة بالدارالبيضاء في اليوم الثاني من شهر مارس عام2020 ، لتتداعى كرونولوجيا الوقائع حاملة معها قرائن الموت والضياع والآهات على آثار خفي الأنين بتعبير الأديب والناقد حسن نرايس.
فبعين سيناريستية ثاقبة، التقط الكاتب كل مشاهد زحف الوباء، الذي استحضر في مخيلته قصيدة “الكوليرا” للشاعرة نازك الملائكة، وكذا رواية “الطاعون” لألبير كامو، كاشفا عن هشاشة الكائن الإنساني، وقلقه الوجودي بين براثن الخوف والخوف من الخوف. فبناء على منطق التوازي البلاغي، يتزامن انتشار السخرية بمفهومها العام مع انتشار الوباء. السخرية كمتنفس جماعي… السخرية كتجاوز للمعنى المأساوي للواقع(فرويد)… السخرية كأقرب الإبداعات إلى الجد والجدية… السخرية كأسلوب مقاومة وعلاج للآخرين( كونديرا)…السخرية كنسيج متين للعلاقات الاجتماعية(أرسطو)… السخرية كطاقة من الوعي الجديد( نوال السعداوي)…السخرية كرؤية نقدية تحررية ثائرة(باختين)، السخرية كنوع من التلقيح ضد الوباء وضد الخوف من المجهول( بتعبير الكاتب)…السخرية كفرح مفرط(سبينوزا)…السخرية كابتهاج يتضاعف بتذكر المشاق والآلام(ديكارت)… السخرية كتعبير عن الفكر لا عن الانفعال(أفلاطون)…السخرية سلاح الأعزل المغلوب على أمره(فولتير)…السخرية كنوع من المعارضة السياسية(غسان كنفاني)”. وأضاف الشيخ في هذا التقديم المائز، أن الكاتب أسس مقاربته النقدية للسخرية في زمن كورونا على كل السياقات المرجعية المذكورة ذات المنظومات المفاهيمية المختلفة، فهو قارئ نهم لأمهات الأدبيات التنظيرية والتاريخية، التي نقف عند خلفياتها المعرفية في مؤلفيه” الضحك والآخر، صورة العربي في الفكاهة الفرنسية”، و”بحال الضحك: السخرية والفكاهة في التعبيرات الفنية المغربية”.
في تضاعيف هذا الكتاب الشيق والممتع، تسقط كل الأقنعة بما فيها أقنعة الكمامات، ويشهر سلاح الاحتقار في وجه كورونا الجبان، الذي يظهر ليختفي… فالكتاب، حسب تقديم الشيخ، يتبنى الطرح البرغسوني القاضي بأن عالم الضحك شبيه بعالم التشريح، إذ يكشف الحجاب عن كل الأخلاقيات الفردية والجماعية السائدة، ويقوم بخلخلة كل العلاقات الاجتماعية موحدا الأفراد داخل المجتمع المغلق. تستهدف هذه السخرية النفس الأمارة بالإضحاك حسب تعبير الكاتب، فالضحك من منظوره ذكي لأنه يضحك على ما هو بليد في الكيان الإنساني، فهو يترتب عما نشعر به ونحس به، لا عما ندركه ونفهمه.
في فقرة تقديمه الأخيرة يطرح عبد الله الشيخ، نسقه الفكري في موضوع السخرية بقوله:” حقا، عزيزي حسن نرايس، في زمن كورونا” بكينا بكاء طفلين، وسبقنا ظلنا إلى مقبرة الشهداء، كما بحت بذلك، نردد بعد قراءة كتابك القيم” ضحكنا ضحك طفلين معا، وعدونا فسبقنا ظلنا إلى محفل الحياة وبهائها. حقا لم نأخذ زمن كورونا محمل الجد والمأساة، بل أخذناها محمل الضحك والملهاة، جاعلين من السخرية ترياقنا وبلسمنا وتلقيحنا الاختياري الناجع.