ثلاث قامات فنية تتوحد في معرض جماعي
ARTSPACE بالدار البيضاء يعيد “أياما استعادية” للدكالي وسليم وأديب
توحدت ثلاث قامات بصرية في معرض جماعي برواق “فضاء الفن” ARTSPACE بالدار البيضاء، ويمتد إلى غاية 18 ماي المقبل، ويتعلق الأمر بالمطرب والفنان التشكيلي، عبد الوهاب الدكالي، وحسن أديب، وعبد الحق سليم.

وتحت عنوان “أيام استعادية”، يواصل الثلاثي عرض أعمالهم الفنية الجديدة، ويشكل المعرض تمازجا متماهيا نجح خلاله الفنانون الثلاثة في شد انتباه الزوار، الذين استمتعوا بأعمالهم التي تنتمي إلى أجيال ومدارس تشكيلية مختلفة.
وحسب الفنانة هند أمحرش، خريجة مدرسة الفنون الجميلة بباريس وصاحبة رواق ARTSPACE فإن المعرض يتغيا ربط جسور التواصل الفني بين فنانين متميزين مع الجمهور النوعي ومع المتيمين بالفنون التشكيلية..
ويقدم الدكالي في المعرض لوحات (بورتيرهات) لشخصيات طبعت التاريخ المغربي والعالمي “فاطمة المرنيسي، بيتهوفن، فان غوغ، غاندي..” من ريشة فنان خبرناه موسيقيا متكاملا، لوحات الدكالي تؤكد أن ريشته ترسم فنا يضاهي أنغامه إبداعا.
واختار الدكالي لمجموعته الفنية المعروضة اسم “عباقرة” احتفى بهم عبر بورتريهات، جسدت من منظوره الفني شغفه بهذا الاتجاه الفني السهل الممتنع، مؤكدا أن هذه الأعمال أخذت منه وقتا طويلا.
وقال الناقد الجمالي أحمد الفاسي إن الفنان عبد الوهاب الدكالي أبان عن جانب من مواهبه المتعددة، مبرزا أنه خصه في كتابه انطولوجيا بترجمة أغنيتين وهما “كان يامكان” و””مونبرناس” إلى جانب ثلاثين مطربا ومغنيا، منهم أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وآخرين.
وأضاف الناقد الفاسي إن كل فنان وكاتب وتشكيلي يفجر مواهبه في مجالات متعددة، لكن تبقى هذه الموهبة داخلية في وجدانه، وحين يحين الوقت يجري إبرازها، سواء على مستوى الألوان أو الشعر أو النثر، أو الموسيقى. وعبد الوهاب الدكالي جمع بين الموسيقى والتصوير الفني.
وبدوره يشارك الفنان التشكيلي المغربي، حسن أديب، في هذا المعرض الاستيعادي جمهوره النوعي والخاص كل أحلامه الصغيرة والكبيرة، فبعد سنوات قضاها في التعليم والبنوك، تعاطى الفنان أديب بكل جوارحه للفن التشكيلي، وتشكل أعماله التي تحتفي بالألوان والأشكال واحدة من مظاهر الفن المغربي المعاصر.
أعماله تطرح معرفة عميقة بكل الاتجاهات العالمية المعاصرة، وراكم تجربة تمتد إلى أربعين سنة، فمنذ نعومة أظافره زاوج بين الدراسة والشغف بالفنون البصرية، حيث انطلق ذلك الفرع من شجرة أنساب فنية، فوالده مبدع في مجال اشتغاله وهو عالم النجارة، إذ نما علاقات مع أصدقائه الإيطاليين، وبرز اسمه بينهم كمبدع ومصمم في ميدان النجارة.
من هذه العين ارتوى الفنان حسن أديب وسار على المنوال فنانا تشكيليا، برز اسمه في البداية من خلال اتجاهات متنوعة مثل التجريدية والانطباعية والتكعيبية، أعمال تدل على أننا إزاء فنان أكاديمي قادته دراسته الجامعية بالولايات المتحدة الأمريكية إلى تكوين رؤية كبيرة حول الفن المعاصر من خلال حضوره ملتقيات كبرى وأوراش فنية بنيويورك، استلهم جانبه التقني في ممارسته الصباغة من كبار الفنانين العالميين، عبر مجموعة من مدارس الفنون الأكاديمية.
راكم حسن أديب، الذي يهتم في لوحاته الجديد بالمجال الإيكولوجي، تجربة فنية وحده يعرف أسرارها، وبات اليوم يسخر ألوانه وفرشاته لقضايا البيئة وإشكالياتها، إذ من النادر أن نجد فنانا مهووسا بهذا الاتجاه الفني الذي بدأ يفرض ذاته. ويؤكد الفنان الأكاديمي حسن أديب، أن أعماله مرادف موضوعي للإنسان والبيئة.
في الزاوية الإبداعية الأخرى، ينهض اسم الفنان عبد الحق سليم كقامة فنية كبيرة، وانطلق من المدرسة العصامية، التشخيصية، التي صنع منها أسلوبا وحده يعرف أسراره. مقتربه التصويري يندرج ضمن الاتجاه التشخيصي الواقعي (الانطباعي)، يرصد تفاصيل الحياة اليومية، وهو سجل للتراث المغربي بكل تنويعاته من الشمالي إلى الريفي وكذا الأمازيغي، معتمدا في ذلك الألوان الباهتة والغامقة.
وفي السياق ذاته، صرح التشكيلي سليم أنه يستوحى فنه وإبداعه من الفرنسي ايتيان ديني، الذي هاجر إلى الجنوب الجزائري، حيث عاش واستوطن ليدفن بها كما أوصى، والإسباني ماريانو برتوشي، وهو أحد الرواد الذين ساهموا في التأسيس للحركة الفنية التشكيلية في المغرب، خصوصا في شمال المملكة ومؤسس أول مدرسة بمدينة تطوان، باعتبارهما فنانين يعتمدان في تجاربهما الصباغية على تراث وتاريخ وطنهما.
وبخصوص أول معارضه الفنية، أشار سليم إلى أنه شارك سنة 2004 رفقة جمعية منتدى الإبداع، بمجموعة من اللوحات كانت مواضيعها مختلفة لكنها توحدت حول الفعل التشخيصي الواقعي، مفيدا أنه يكن كل الاحترام والتقدير لمدير أعماله العراقي ردحت سرحان الذي قدمه لجماعي ومقتني اللوحات، وهو مازال في أواسط عقده الأول، حيث كانت كل أعماله تلقى قبولا متميزا وسط مقتني هذا النوع من اللوحات.
استطاع سليم أن يترجم المشاهد الطبيعية بكل تناقضاتها عبر سجلات مشهدية باللون والشكل تستحضر الذاكرة الجماعية بالانطباعات والأحاسيس التلقائية التي لا مجال فيها لابتداع وتنميق.
يشار إلى أن لوحات التشكيلي عبد الحق سليم المزداد سنة 1984، تتميز بجمال المناظر الطبيعية الموجودة في المغرب خاضعة لتأويله الشخصي، إذ يحاول تعزيز سحر الأماكن ومعالجتها بطريقة مغرية، مشكلا بذلك أفقا لإحساسه وأدائه.
ينتمي سليم حسب العديد من النقاد الفنيين مغاربة وأجانب إلى الحساسية البصرية الجديدة، وأكدوا أن لوحاته تتميز بقوة اللمسة والخصوصية المرهفة التي يعالج بها أعماله ذات المنزع التشخيصي، من بورتريهات، وطبيعة ميتة التي يجسدها في مجمل لوحاته، التي بصمت الحركة الفنية داخل المغرب وخارجه.