التشكيلي فكير يكشف “أسرار الدائرة” برواق مسرح محمد الخامس بالرباط
افتتح الفنان التشكيلي، محمد فكير، يوم الاثنين 23 يناير 2023، معرضه الفردي الذي يستمر إلى غاية 28 من الشهر نفسه برواق فضاء مسرح محمد الخامس بالرباط.
المعرض الفردي الذي اختار له شعارا دالا، “اسرار الدائرة” يندرج ضمن تعزيز الثقافة البصرية، وهو مبادرة من وزارة الشباب والثقافة والتواصل.

ويضم المعرض، الذي سيبقى مفتوحا أمام الزوار بمختلف فئاتهم إلى غاية السبت المقبل، أزيد من 60 لوحة تشكيلية تحتفي بأسرار الدائرة المعلنة والمضمرة، استغرقت مجهودا ممتدا على مدار ثلاث سنوات، إلى جانب أعمال أخرى، تستقي مادتها من مواضيع آنية، وهي أعمال مستوحاة من التوجه الروحي، فضلا عن احتفائها بنسق الدائرة كمعادل تجريدي هندسي تترك الانطباع الأول لدى المتلقي الذي تستوقفه المسحة الشاعرية، فإبداعات فكير الفنية تخاطب وتستنفر مختلف الحواس، حيث تساهم الألوان والأشكال جنبا إلى جنب في التعبير عن إدراكات الفنان الجمالية .
في هذا السياق قال الفنان التشكيلي محمد فكير إن اختيار شعار المعرض، لم يأت اعتباطا، أو من قبيل الصدف، وإنما جاء بعد تأمل كبير وعميق في مصائر الناس، مضيفا في لقاء صحفي أن الفنان يتأقلم مع حياة المحيطين به ويعيش من أجلهم، ومن أجل ان يجسد بالفرشاة والألوان أفراحهم وأقراحهم ومعاناتهم، وأوضح فكير أن الدائرة مكون جمالي صعب المراس، ضاربا مثلا بالتربية الروحية والجسدية، فالإنسان حسب تعبيره مطلوب منه أن يلج الدائرة بهدف تحقيق ذاته ووجوده، لا أن يبقى تائها بلا جدوى وروح.
وتحمل الدائرة مجموعة من الرسائل من خلال أبعادها الفنية والروحية والهندسية، وفيها الكثير من المتخيل، قد تجد شبكات وخطوطا وألوانا باردة وأخرى حارة، هذا الخليط من الأشياء والوقائع، هي فلسفة هذه الدائرة، التي لا تشبه الدوائر، وتختلف عنها شكلا ومضمونا وفلسفة، لأن المتطلع لها والناقد الجمالي قد يجد فرقا كبيرا، لما تحمله من معان وأفكار، وخيال ومتخيل.
من جهة أخرى قال المبدع فكير إن الدائرة وما تمثله من درجة راقية في عالم الجبر والهندسة، فلها مقومات تختلف بين علم النفس، وعلم الروح، مفيدا أنه يرسم وفق الروحانيات، وزاد شارحا أن الدائرة تتصدر جميع الميادين، فعلى المستوى العلمي، تبرز من خلال الرياضيات، خصوصا الجبر، وعلم الفلك، وإذا تعمقنا شيئا ما، حسب شهادة فكير، فإن بؤبؤ العين كله يشكل دائرة وهذه حكمة ربانية في خلقه، يتقوى البصر والنظر من خلال هذا العضو الأساسي في العين.
الدائرة عنصر أساسي في الوجود، تتمثل في الكون والأرض بأبعادها الدائرية، والقمر كذلك، فلا غرو أن نعود مرات إلى هذه الدائرة حتى تخضب ذواتنا، ونستمد منها القوة والعرفان، وسبل الحياة الصافية.
ألهم مقترب الفنان التشكيلي محمد فكير مجموعة من النقاد الجماليين، الذين اعتبروه واحدا من التشكيليين المغاربة المجددين، وقالوا إن أعماله تختزل منعطفا جديدا على مستوى الإدراك الجمالي، إنه رمز وأثر وعلامة على الذاكرة الفردية والجماعية. يولي محمد فكير اهتماما خاصا لملكة الخيال في زمن السرعة الآلية، ذلك أن الإبداع من منظوره الخاص تعبير رمزي حر عما يختمر في العقل والوجدان والروح.
اشتغل فكير في معرضه الفردي، الذي يمتد إلى غاية 28 من الشهر الجاري بفضاء مسرح محمد الخامس بالرباط، على هذا الشكل من أشكال التجريد الهندسي، وهو الدائرة، مثله مثل مجموعة من الفنانين الغربيين المرموقين، ونذكر تمثلا لا حصرا، الفنان العالمي كوتفرايد كينغر، فنان تجريدي وظف الدائرة بكل تجلياتها، لكن أعماله تخضع كثيرا إلى مقاييس الرياضيات والحساب، وكذا الفنان أرييل زرومي، الذي يستعين في رسم دوائره المتعددة بالضوء والألوان. اعمال فكير الأخيرة، إذن، تفتح الباب على مصراعيه لعلم المعاني اللامرئية والروحية، فاليد الأولى التي رسمت في جوف الكهوف، ونحتت كل ما يعتمل في تلك العصور، هي امتداد لكل اللطخات التشكيلية بمختلف أسانيدها، ولعلنا نقف اليوم عند تجربة الدائرة، وحده فكير يعرف أسرارها، ويفك شيفراتها.
ولعل معرض الرباط الحالي يدفعنا إلى السفر عبر امتداد تجارب فكير الفنية، هاهي تيمة الدائرة، وبعدها سينكب، حسب حديثه، على تيمة أخرى في القادم من الأيام، وهو العصامي، الذي يبحث دوما عن تجديد قاموسه البصري، شكلا ومضمونا. وتدعونا أعماله أيضا إلى إعادة ابتكار نظرتنا، فيما هي تتلاعب بتوجهات الأبعاد ومعانيها، ذهابا نحو خلخلة كل الحواس، حسب العبارة الأثيرة لدى رامبو، في دعوة إلى معانقة المادة-العالم، وصولا إلى مفهوم “الكل هو الكل” للتشكيليين الذين لا حدود لهم سوى خيالهم.